هناك حكاية طريفة تقول إن شخصا اتصل بأحد مراكز «البوليس» في مونتريال الكندية تليفونياً ذات ليلة، وأبلغهم في تأثر بأن عجلة القيادة ودواسات البنزين والفرامل قد سرقت من سيارته، فوعده رجال الشرطة بالحضور والتحقيق في الأمر، لكن بعد برهة وجيزة، اتصل نفس الشخص ليقول بصوت متلعثم: «لا تشغلوا أنفسكم بالحادث، فقد تبين أنني ركبت السيارة خطأ من المقعد الخلفي!

Ad

تذكرت هذه الحكاية الطريفة يوم الجمعة الماضي، وأنا أشاهد الجموع السلفية تتوسط ميدان التحرير في القاهرة، وقد طغت هتافاتهم وشعاراتهم على بقية القوى السياسية التي اجتمعت في جمعة «وحدة الصف»، فإذا بالسلفيين يحولونها الى جمعة «استعراض العضلات» رافعين شعارات بعيدة عن أهداف وغايات الثورة مثل «إسلامية إسلامية... مش عاوزينها ليبرالية»، و«الشعب يريد تطبيق شرع الله»، و»الصحافة فين... الإسلام أهو»، و»لا إله إلا الله... العلماني عدو الله»، حتى ختموها بهتافهم الرائع «يا أوباما يا أوباما... كلنا هنا أسامة»!

هؤلاء السلفيون ركبوا عربة الديمقراطية وأصروا على قيادتها من المقعد الخلفي دون استخدام لعجلة القيادة ودواسات البنزين والفرامل خلافاً للرجل في الطرفة السابقة، والمرجح أنه كان «فوق النخل» ورغم ذلك أدرك الخطأ الذي وقع فيه، بينما يصر هؤلاء على الاستمرار في محاولاتهم للقيادة وهم جالسون في المقعد الخلفي دون استخدامهم لأي من أدواتها، فلا هم مقتنعون بالديمقراطية أو بمشاركة الآخرين في الحكم ولا تعني لهم الحريات شيئاً سوى حريتهم في تقييد الآخرين، وكل ما حاولوا إثباته خلال التجمع التجمع الأخير هو أنهم الأكثرية في مصر، وتبعاً لذلك، فإن لهم الحق منذ الآن في تقرير مصير البلد وفق رؤاهم ومفاهيمهم الدينية حتى إن افتقدت أبسط مبادئ العدالة والحرية وتكافؤ الفرص، والهدف هو جني ثمار ثورة الشباب المدنيين الليبراليين الذين تخلصوا من دكتاتورية الحزب الوطني ليجدوا أنفسهم في شراك الجماعات السلفية، والتي عارضت الخروج على نظام مبارك ووقفت ضد المظاهرات أثناء الثورة، لتأتي اليوم وتطالب اليوم بنبذ الليبرالية والعلمانية وتطبيق شرع الله!

وبمناسبة الحديث عن تطبيق شرع الله، فقد بحت أصواتنا ونحن نسأل المطالبين هنا وهناك عن وفق أي فهم للشرع سيتم التطبيق؟ هل وفق الفهم السنّي أم الشيعي؟ وإن كان سنّيا فهل سيتم وفق الفهم «الإخواني» أم «السلفي» أم «الطالباني»؟ أما اليوم، وبعد مظاهرات السلف المصريين نتساءل إن كان سلفيا فوفق أي مفهوم سلفي سيتم التطبيق؟ لأنه من الواضح أن هناك تبايناً كبيراً في المفهوم السلفي بين دولة وأخرى، ففي السعودية لا يعتبر كبار السلفيين بن لادن بطلاً ونموذجاً يفتخر به، إنما يرونه ضالاً مضلاً تلطخت يداه بدماء المسلمين في كل مكان، بينما يهتف السلفيون في مصر «يا أوباما يا أوباما... كلنا هنا أسامة»! كذلك لا يسعى السلفيون في السعودية إلى الديمقراطية ويعتبرونها بضاعة غربية ليسوا بحاجة إليها مكتفين ببديلهم الإسلامي «الشورى» في الوقت الذي يسعى فيه السلفيون

المصريون إلى الدخول في لعبة الانتخابات الرئاسية والنيابية بحماس منقطع النظير!

إذن، فكل واحد حر بسلفيته، يفصّلها على مقاسه ومزاجه وحسب احتياجاته، وعلى الآخرين، أنا وأنت وهو وهي، مراعاة فروق المصالح الشخصية والأهداف الدنيوية والأخروية للسلفيات المتناثرة على خريطة العالم العربي والإسلامي بشكل يحسدنا عليه كل شعوب الأرض في مشارقها ومغاربها، فهم بركتنا في الدنيا والآخرة!

كل الدعوات بأن يحمي الله المصريين من كتل الجهالة والتخلف والأنانية التي تمشي على قدمين، فمصر هي النموذج والقدوة دائماً، إن صلحت ثورتها صلح سائر الثورات العربية، وإن فسدت، فسد سائر تلك الثورات!