-1-

Ad

لماذا ذهبت في مصر السَكْرَة، وجاءت الفَكْرَة؟

لماذا يظهر معظم المصريين، وكأنهم محبطون؟

لماذا خفَّ وهج الثورة، الذي كان متألقاً في الشهور الماضية، بعد مضي ما يقارب خمسة أشهر على قيامها، وتنحّي الرئيس مبارك، وسقوط النظام القديم؟

وهل كان تنحّي مبارك، وسقوط النظام كافياً، لتغيير ظروف الحياة في مصر؟

ولماذا ما زال الشارع المصري يقيم تظاهرات «الجمعة»، ويحشد لها مئات الألوف، مطالباً بحقوق كثيرة، ومعلناً أن الثورة مستمرة، ما دامت لم تحقق أهدافها؟

ومن قال، إن الثورات تحقق أهدافها بعد قيامها مباشرة؟

فمن المعروف أن الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، يكاد يكون من أصعب المراحل التي تمر بها الأمم، وهو ما عبَّر عنه الفيلسوف الألماني هيغل حين وجد أن هناك مصاعب جمّة في بلورة مسالك الخروج من الثورة، الذي هو في الواقع مفارقة عصيّة، بما هو خروج إرادي من حالة الحرية المطلقة المجردة، إلى حالة الانتظام المؤسسي، الذي يقتضي إضفاء الشرعية على علاقات السلطة.

-2-

ثورة 25 يناير ليست استثناءً من كل هذا، وما تمرُّ به مصر الآن من صعوبات اقتصادية وسياسية واجتماعية نتيجة لثورة 25 يناير، كانت قد مرَّت بها ثورات في التاريخ قبل ذلك، ولكن كون أن المصريين لم يعانوا في ثورة 1952 ما يعانوه الآن بعد ثورة 25 يناير، فذلك راجع الى أن ثورة 1952 لم تكن ثورة، إنما كانت انقلاباً عسكرياً، أطلق عليه توفيق الحكيم صفة «الثورة»، كما أن ذلك راجع الى اختلاف الزمان، وظروف مصر المحلية، والإقليمية، والدولية، وإلى طبيعة ثورة 1952 التي قام بها العسكر، وتبناها الشعب وطبيعة ثورة 25 يناير، التي قام بها الشعب، وتبناها العسكر.

ولعل ثورة 25 يناير، كانت الثورة العربية الوحيدة في تاريخ العرب الحديث، التي لم تحدث نتيجة لخروج العسكر من ثكناتهم، ولكنها أرغمت العسكر فيما بعد على الخروج من ثكناتهم، لحماية الثورة من أعدائها.

وعلينا ألا ننسى أن ثورة 1952، قامت ضد الملكية، ولإعلان الجمهورية، وأن ثورة 25 يناير قامت ضد الجمهورية الدكتاتورية التي قامت 1952، واستمرت تحكم مصر طيلة عهود ثلاثة، ولمدة ستين عاماً تقريباً، ولإعلان جمهورية ديمقراطية، وفي ذلك الفرق الكبير بين الثورتين.

إذن، تبقى ثورة 25 يناير، ليست استثناءً من كيمياء وفيزياء الثورات الأخرى في التاريخ، ولكن بما أن الشعب المصري، كان بعيداً عن منطق الثورات، طيلة أكثر من نصف قرن، فقد كاد ينسى معاناة ما بعد الثورة!

-3-

إن أهم سؤال في الأسئلة السابقة، التي ذُكرت في مقدمة هذا المقال هو:

هل كان مجرد تنحّي مبارك، وسقوط النظام السابق، كافياً، لتغيير ظروف الحياة في مصر؟

فالحياة في مصر، كانت صعبة منذ سنوات طويلة، وقبل تولّي مبارك الحكم، ومع زيادة عدد السكان، وظهور طبقة عريضة من الشباب العاطل عن العمل، ومع محدودية موارد مصر الطبيعية، ازدادت الحياة صعوبة، واضطر ملايين الشباب المصريين إلى الهجرة والعمل في ليبيا، ودول الخليج وأوروبا، وأصبحت الهجرة والعمل خارج مصر، مطمح ملايين الشباب الباقين، الذين لم يلقَوا عملاً في مصر، أما بعد ثورة 25 يناير، فإن الاضطراب قد ازداد في مصر، بدلاً من أن يقل، كما يقول وحيد عبدالمجيد «وذلك لأسباب عدة منها، أن الحجم السكاني الكبير في مصر، يجعل إدارة المرحلة الانتقالية أصعب، وتبدو تفاعلات الخريطة السياسية التي يُعاد تشكيلها في مصر الآن، أكثر تعقيداً في ظل احتقان طائفي، وانقسام في شأن مسألة الدولة والدين، الأمر الذي جعل المشهد صاخباً، والضباب مخيماً في الأفق. وهذا فضلاً عن غياب الأمن، وركود الاقتصاد». (جريدة «الحياة»، 3/7/2011).

-4-

لم تعد الديمقراطية في العالم العربي وفي العالم الثالث اختياراً، ومزاجاً سياسياً للحاكم أن يطبقها، أو لا يطبقها، فذلك شأنه، ولكن الديمقراطية أصبحت قدراً للبلد، بمعنى أن البلد بهذا القدر فقط، يستطيع أن يعيش ويتعايش مع الآخرين في القرن الحادي والعشرين، وما بعده، وهو ما عبَّرت عنه المجموعة الأوروبية (الاتحاد الأوروبي) قبل أيام حين أعلنت إصلاحات لبرامج التمويل الأوروبية، تزيد ارتباط المعونة المقدمة إلى دول الجوار، والسماح لها بدخول السوق الأوروبية بالإصلاح الديمقراطي في تلك الدول.

ويأتي إصلاح أسلوب تعامل الاتحاد الأوروبي مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي يعرف بسياسة الجوار الأوروبية، في الوقت الذي يبحث فيه الغرب عن سبل لحفز التغيير الديمقراطي في العالم العربي. ومن المتوقع أن يقرَّ الزعماء الأوروبيون مساعدات قيمتها مليارات الدولارات لتونس ومصر، وأن يبرموا اتفاقاً لدعم التغيير في دول أخرى في المنطقة، وبموجب القواعد الجديدة، ستتضمن معايير قبول ترشح دولة للحصول على معونة على نوعية العملية الانتخابية، وحرية الصحافة، واستقلال القضاء، وجهود محاربة الفساد، ومدى سيطرة الحكومة على القوات المسلحة، وقوات الأمن.

وهكذا، لم تعُد مسألة الديمقراطية اختياراً في العالم العربي والعالم الثالث عامة، بقدر ما أصبحت قدراً، تُدفع الدول والشعوب إليه دفعاً، من أجل التعايش مع الآخرين، والاستفادة المادية والثقافية والسياسية القصوى، من هذا التعايش.

-5-

هل الديمقراطية في مصر بعيدة المنال؟ وهل مصر، التي كانت الأولى في العالم العربي والإسلامي، التي أنشأت مجلس شورى منتخب عام 1866، بعيدة المنال عن الديمقراطية؟

وهل مصر، التي كانت السبَّاقة في العالمين العربي والإسلامي، إلى إنشاء الأحزاب، وصحافة المعارضة، بعيدة المنال عن التطبيق الديمقراطي؟

في رأيي المتواضع، أن مصر مؤهلةٌ أكثر من أي بلد عربي للتطبيق الديمقراطي، رغم ما تقوله إلين بورك، مديرة مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان في معهد «مبادرة السياسة الخارجية الأميركية» في واشنطن، من «أن العنف الطائفي، وارتفاع معدل الجريمة، والهجمات على حدود رفح، والسفارة الإسرائيلية، في القاهرة، بمنزلة إنذار للديمقراطية في مصر».

إن فجر الديمقراطية المصرية، سوف ينبلج في مصر، رغم قول إلين بورك، من ألا تغيير في مصر بعد ثورة 25 يناير، فهي قبل ثورة 25 يناير، وبعدها الشيء نفسه، بفضل وجود الكثير من الحرس القديم فى السلطة، الأمر الذي رأت بورك أنه محبط ومثير للقلق خلال الفترة الانتقالية الحاسمة الحالية.

ولكن الديمقراطية، التي نتمنى أن ينبلج فجرها في مصر، لن يكون لها مثيل، في أي دولة غربية أو شرقية، بقدر ما ستكون ديمقراطية مصرية بشروط، ومكونات، ومواصفات مصرية خالصة.

وهذا ما نتمنى أن نراه في مصر، بعد 25 يناير.

* كاتب أردني