النظام السوري: وداعاً للعروبة!
لو كان النظام السوري مؤمناً بالعروبة حقاً، وكان قلعتها الحصينة لما تحالف مع نظام الملالي في إيران، ومكّن له اختراق المنطقة العربية بمخططاته ونفوذه وأمواله وسلاحه! هل كان النظام الإيراني قادراً أن يطوق المشرق العربي بهلاله لولا التمكين السوري؟! لقد حذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قبل سنوات من هذا الهلال الممتد من العراق إلى الشام إلى لبنان وإلى غزة ويبدو أنه كان محقاً!
بعد 9 أشهر من القمع والقتل الممنهجين وسقوط أكثر من 5 آلاف قتيل وآلاف الجرحى و50 ألف معتقل ومفقود ومعذب، وبعد مناورات ومراوغات وألاعيب ومماطلات ومهل زمنية متتالية أعطيت للنظام السوري، وفشلت في تحقيق أي نتيجة، ولم تنجح في وقف آلة القتل والذبح، قررت 19 دولة عربية فرض عقوبات اقتصادية على النظام، ونأى لبنان بنفسه وأما العراق فقد تخاذل وتنكر لتضحيات شقيقه الشعب السوري، وهو الذي كان بالأمس منكوباً بالنظام الصدامي، لكن ما أكثر تقلبات بعض الدول العربية وتنكرها لمواثيق حقوق الإنسان!أخيراً بعد لأيٍ وطول يأس قررت الجامعة إطلاق عقوباتها على النظام السوري، لكن الأمين العام نبيل العربي مازال يأمل في أن يستجيب النظام ويوقع البروتوكول، وهو أعطى النظام فرصة أخيرة لحل الأزمة عربياً ومنعاً لتدويلها، وعلى خطاه أعطى "الوزاري الإسلامي" النظام فرصة أخيرة داعياً دمشق إلى الاستجابة لقرارات الجامعة تجنباً للتدويل وصوناً من التدخل الأجنبي! ولا أدري إلى متى يخطبون ود دمشق؟ وماذا يأملون من النظام وهو قد رفضهم واتهمهم وأدار لهم ظهره؟!النظام السوري يرفض التوقيع بحجة أن فيه مساساً بالسيادة وامتهاناً للكرامة، هل رأيتم مجرماً من قبل اصطحب شهوداً إلى مكان جريمته كما يقول ياسين الحاج صالح؟! وهي جرائم وصفها تقرير للأمم المتحدة بأنها "ضد الإنسانية" كيف يمكن تصور أن تسمح دمشق لأي لجنة عربية أو دولية أن تدخل سجونها لترى كما يقول حسان حيدر آلاف السوريين والعرب الذين اختفى أثر بعضهم منذ عشرات السنين، وزج بهم في زنزانات مظلمة بلا محاكمات، ولا تُعرف أسماؤهم حتى سجانوهم لا يعرفونها، لا يسأل عنهم أحد ولا يسمح لأحد بذلك، ولا يغادرون سجنهم إلا إلى المقابر؟!كان رد فعل النظام السوري متوقعاً من وزير خارجيته المعلم الذي استخف بقرار الجامعة، وقال "ما قيمة الجامعة بدون سورية؟!"، وخاطب العرب بكل استعلاء: "لا توجهوا لنا إنذارات"! وطمأن السوريين قائلاً: "لا خوف من العقوبات فاقتصادنا قوي"! وهاجم الجامعة ووصفها بأنها أداة للتدخل الخارجي ومعبر للأجندة الغربية الأميركية الساعية إلى تفتيت المنطقة إلى دويلات متناحرة!النظام السوري هذه الأيام أصبح يعيش هواجس التآمر الدولي ووصلت الحالة إلى درجة أن ممثلي النظام أصبحوا يعتقدون أن هناك مؤامرة "كونية" تستهدفهم وليست مجرد مؤامرة عربية أو إسرائيلية وأميركية! وهي حالة تسمى بـ"البارانويا" في علم النفس يصبح الشخص فيها مرتاباً في كل شيء، لكن هذا ليس كل شيء فآخر تطورات موقف النظام تجسدها الصحف والإعلام السوري التي تغيرت وانقلبت وبدأت في رفع شعارات جديدة، لطالما كان الخطاب السوري الرسمي يقوم على تمجيد العرب والعروبة، ولطالما تغنى بسورية مهد العروبة وقلبها النابض وحصنها المنيع وقلعتها المقاومة ورايتها الخفاقة، ولطالما نادى النظام بالحل العربي للأزمات العربية ووقف ضد الحل الدولي سواء في رفضه لسلام "كامب ديفيد"، أو تسوية الأزمة اللبنانية، أو أزمة الاحتلال العراقي للكويت، أو في رفضها للوساطة الدولية بين "حزب الله" وإسرائيل 2006، كما يقول وليد أبي مرشد، لكننا اليوم نجد انقلاباً في خطاب النظام تجاه العرب والعروبة والجامعة والحل العربي!الصحف السورية اليوم تعزف نغماً واحداً، وتقود حملة سب وشتم وتخوين للعرب أجمعين، وتقول: الفارق بين العرب الذين تورطوا في الماضي والعرب اليوم أن هؤلاء كانوا يديرون تآمرهم في الكواليس بينما اليوم بعضهم يخرج علناً ودون حياء أو خجل يهدد ويتوعد، يعطي المهل ويملي بروتوكولات والآخرون يمضون معه طائعين، انقلبت الصحف السورية اليوم على العرب والعروبة وأصبحت ترفع شعارات "سورية أولاً" بدلاً من "سورية قلب العروبة"، وصارت أصوات النظام وحلفائه في بيروت ترفع شعار "القومية السورية" إلى مصاف الإيديولوجيا الرسمية، وصار العرب بين ليلة وضحاها "عرباناً" و"بدواً" وأهل "رمل وجمال"، كما يقول حازم صاغية، فهل هو وداع بعثي للعروبة؟! هكذا يتساءل ميشيل كيلو، ويقول "لفترة غير قصيرة اعتبر العقل البعثي، العروبة مفهوماً يحمل معنى وحيداً هو بالتحديد ذاك الذي أعطاه لها ميشيل عفلق مؤسس البعث الذي بعث 50 عاماً في السياسة لم يكتب خلالها أكثر من ألف صحفة ليس بينها أي بحث نظري أو عملي عن مرتكز رؤيته الرئيسة: العروبة والأمة... وككل إيديولوجيا فاشلة، غدت العروبة وظيفية، إن خدمت النظام وساعدته على قمع الشعب معنوياً وروحياً، كانت خيراً وبركة، وإلا أنزل شعبه إلى الشارع لإدانتها وصبّ اللعنات عليها وعلى العرب أفراداً وشعوباً وأمة". هذا التوظيف النفعي للعروبة يدفع المرء للتساؤل: هل كان نظام البعث مؤمناً بالعروبة حقاً أو هو التوظيف التكتيكي للشعار ولأهداف نفعية؟!لو كان النظام السوري مؤمناً بالعروبة حقاً، وكان قلعتها الحصينة لما تحالف مع نظام الملالي في إيران، ومكّن له اختراق المنطقة العربية بمخططاته ونفوذه وأمواله وسلاحه! هل كان النظام الإيراني قادراً أن يطوق المشرق العربي بهلاله لولا التمكين السوري؟! لقد حذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قبل سنوات من هذا الهلال الممتد من العراق إلى الشام إلى لبنان وإلى غزة ويبدو أنه كان محقاً!لقد كان النظام السوري هو عراب التغلغل الإيراني في المنطقة، الآن بعد أن بدأ النظام يتخلى عن العروبة وانقلب على العرب وصبّ نقمته عليهم وعلى الخليجيين خصوصاً، وعلى قطر بوجه أخص، واتهمها أنها تقود الحملة العربية عليه، وقال سفيره في واشنطن إن أمين الجامعة يكاد يكون موظفاً لدى قطر، فالتساؤل المطروح: إلى أين يتجه النظام السوري وعلى ماذا يعول؟! أن يكفر بالعروبة فقد سبقه أخ له من قبل كفر بها وبجامعة العرب هو نظام القذافي الذي صوب وجهته إلى الإفريقيين، فتزعّم اتحادهم، وأصبح ملكاً لملوكهم بعد أن اشتراهم بأموال الشعب الليبي، وتبرّأ من العرب!فهل يراهن النظام السوري على أصدقائه الدوليين، روسيا والصين، وعلى حلفائه المخلصين، النظام الإيراني؟! وهل بوسع الحليف الإيراني نجدته وهو يعاني حصاراً خانقاً والأرض تهتز من تحته؟! هل تنجح العقوبات العربية في تغيير سلوك النظام السوري نحو شعبه؟! قد لا تحقق ذلك العقوبات العربية- وحدها- بدون العون الدولي، ولكن قيمة قرار الجامعة العربية وقوته تكمنان في أنه رسالة قوية لا سابق لها إلى دمشق، وتحمل عدة دلالات:1- إشعار النظام السوري بأنه منبوذ عربياً وألا مكان له في جامعتهم.2- أن 19 دولة عربية ترفض تصديق خرافات النظام عن العصابات المسلحة.3- أن هامش المناورة والمراوغة قد انتهى.لكن يبدو أن النظام واثق من سلوكه بدليل أن الرئيس الأسد اجتمع أخيراً بعلماء الدين عنده ليقول لهم بكل ثقة: سيأتيني زعماء العرب معتذرين!* كاتب قطري