لدى مشاهدتي صورة الفنان السوري (العالمي) الكبير علي فرزات والكدمات الدامية تغطي عينيه ووجه، ويداه مهروستان من عند الأصابع تذكرت ليلة الكوابيس تلك، فقد جاءتنا صور صاحب مجلة «الحوادث» اللبنانية ورئيس تحريرها سليم اللوزي بعد اختطافه وهو في طريقه إلى مطار بيروت، وقتله في منطقة عالَيْة، المشرفة على العاصمة اللبنانية من جهة الجنوب، والتمثيل بجسده بطريقة غاية في الإجرام والبشاعة... لسانه مقطوع وعيناه مسمولتان، وفي الصدر عند القلب بضع رصاصات خرجت من الظهر وتركت جلاميد من الدماء التي أغرقت بطنه كله.

Ad

كان سليم اللوزي (ابن طرابلس في الشمال) قد جاء من لندن، التي أقام فيها هرباً بقلمه وصحيفته وجرأته وبالتالي بحياته، ليشارك في مأتم والدته التي توفيت وهو بعيد عنها وهي بعيدة عنه، وكان غلاف «الحوادث» قد حمل قبل نحو أسبوعين عنواناً هو: «عندما يكذب النظام» مع صورة للرئيس السوري السابق حافظ الأسد وهو يحاضر في مدرج جامعة دمشق في مجموعة من المثقفين السوريين من بينهم الشاعر ممدوح عدوان (الاسماعيلي من السلمية وليس العلوي كما يعتقد البعض) الذي نقل وقائع هذه المحاضرة تحت هذا العنوان «عندما يكذب النظام» إلى صاحب «الحوادث» فكان سبباً في التبشيع به بهذه الصورة المرعبة... ويقال إن أحد الفصائل التي تدعي أنها فلسطينية ظلماً وبهتاناً هو الذي تولى تنفيذ تلك الجريمة المنكرة.

لا يتزعم علي فرزات، ابن حماة ورسام «الكاريكاتور» العالمي المبدع، أياً من العصابات المسلحة التي بقي النظام السوري يبرر جرائمه ضد المظاهرات السلمية بالادعاء بوجودها وهو لم يشارك في أي تجمع احتجاجي ولا حتى في مظاهرة واحدة، وكل ذنبه أنه سخَّر ريشته للمطالبة بالإصلاح والديموقراطية والحريات العامة، وآخر رسمٍ «كاريكاتوري» له كان يُظهر معمر القذافي وهو يحاول الهروب من باب العزيزية بسيارة يقودها بنفسه بينما يظهر في الصورة بشار الأسد وهو يلوّح بيديه ويصرخ: «خُذْنا معك».

كان علي فرزات قد حصل على إصدار أسبوعية ناقدة في عام 2001، توقفت بعد ثلاثة أعوام، بعنوان «الدومري» والدومري باللغة التركية هو الشخص المكلف بإضاءة «فوانيس» الشام، قبل اختراع الكهرباء ووصولها إلى بلادنا، في كل مساء وإطفائها في كل صباح، ومن هنا جاء المثل الشعبي الذي يشير إلى عدم وجود حياة في بيت أو شارع أو مدينة: «والله ما فيها الدومري»، والذي لا يزال يتردد حتى الآن وإن على نطاق ضيق مع أن الذين يرددونه لا يعرفون معناه.

إنها جريمة وعندما تصل الأمور بنظام وأي نظام إلى حد التعامل مع فنان مبدع كعلي فرزات بهذه الطريقة الوحشية، التي لم يمارسها مع الكتاب والصحافيين والفنانين لا هتلر ولا موسيليني وبالطبع ولا فرانكو ولا سالازار وحتى ولا ستالين، فإن هذا يدل على مدى تردي وضع النظام السوري الذي كان رئيسه بشار الأسد قبل ساعات من افتراس شبيحته لهذا الفنان المبدع يصف في حفل إفطار لمجموعة من «وعاظ السلاطين» واقع ما يجري في سورية من عمليات احتجاج على أنه «أزمة أخلاق»!!

ويبقى، بعد التأكد من أن ما يتعرض له الشعب السوري هو أزمة أخلاق بالفعل، أنه لا بد من القول إن هذا البلد العظيم بانتظار ستة وعشرين مليون دومري ليضيئوا شوارع مدنه وقراه لتعود الشام إلى عزها القديم.