الأغلبية الصامتة: الكويت كيفان
هذه أول مقالة لي في العام الجديد، كل عام وأنتم بربيع كويتي لا ينتهي، كل عام ودستوركم رمز كرامتكم وعزتكم بخير، أمواج الانتخابات العاتية ركبناها منذ أيام الجامعة، قذفت بنا يميناً ويساراً وتعلمنا فيها الكثير من كيفية اختبار معادن الناس ومقدار صلابتهم على قدر ما كان متاحاً في حملة انتخابية طلابية لا تقارن بأي حال من الأحوال مع انتخابات برلمانية مكلفة في تمويلها ومتشعبة في حساباتها وخطيرة في نتائجها.انتخابات الجامعة تتفوق بالعديد من النقاط، فهي تلخص وجود التيارات السياسية والفكرية المتنافسة في المجتمع الأكبر، والمرأة تجد نفسها شريكاً حقيقياً في تلك المنافسة تصويتاً وترشيحاً بدون محرم، وأخيراً تفرض انتخابات الجامعة أجواء التعايش على مكونات المجتمع الذي تدخل أسواره متباعدة وتخرج منه إما أكثر قرباً وتسامحاً وإما أكثر كرهاً وتباغضاً، وهذا في الشطر الأول أفضل ما في الجامعة مع الانتخابات أو بدونها.
وأستطيع القول بكل ثقة إن انتخابات الجامعة تعتبر تجربة ثرية لمن يريد مواصلة العمل السياسي، وحتى في فهم طبيعة المجتمع الكويتي ودراسته، وهذا ما حصل معنا، فأول انتخابات تابعتها دون استيعاب كامل لمجرياتها كانت انتخابات 1981 في الدائرة السابعة "كيفان" وكنت لاأزال في العاشرة من عمري، وأشعر بالغرابة الشديدة لكل ما يحصل من حولي، خيم بين المنازل وفي الساحات الترابية والموسم ليس موسم بر، أسماء ثلاثية ورباعية أتقنت نطقها بعد ارتكابي لأخطاء إملائية فظيعة، متعة حقيقية في جمع بطاقات أسماء المرشحين والمقارنة فيما بينها من حيث الألوان ونعومة الورق وأي منها يصلح للف كسيجارة، تساؤلات لا تنتهي "يعني شنو انتخابات؟" وحوارات طفولية لا تختلف عن حوارات أناس كبار يظهرون يومياً على إحدى قنوات النحيب الحاتمي، والسؤال المزعج والأهم لما أخرج من عالم كيفان إلى العوالم الأخرى: "هذولي ليش يقلدونا؟" وكأن الانتخابات لا تجرى إلا في كيفان، وكأن الكويت هي كيفان.لقد كانت الانتخابات في الكويت وفق التقسيم العشري للدوائر تسير أولى خطواتها نحو الوعي بالعمل السياسي المنظم، ومع وجود بيئة ناشئة لممارسة الديمقراطية مثل الصحافة ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات العمالية، وبالفعل كان للقوائم الانتخابية ثقل لا يستهان به، ولكن مع الأسف عدنا مئة عام إلى الوراء موغلين في الجهل والعودة إلى العصبيات بعد توزيع القبائل والطوائف والفئات على المناطق السكنية، وسكبنا فوقها نظام 25 دائرة الذي لم يفرق بين الحضري والبدوي والسنّي والشيعي، ولكن داخل الحضر أنفسهم والقبائل أنفسهم والأفرع فيما بينها والمذاهب من داخلها. إن الانتخابات عالم كبير نسير فيه خطوة خطوة نستمع فيه إلى من سبقونا، ونتعلم منهم الكثير من الدروس، وهي ليست شراً عندما تحصل في المجتمعات التي تترسخ فيها قيم العدالة والنزاهة والتسامح والمواطنة، أما المجتمعات الهشة المفككة فتلعب الانتخابات فيها دور الملح المرشوش على الجرح تشعله ولا تشفيه تحرقه ولا تطفئه.لقد كانت لي مع الانتخابات ذكريات ودروس، شيئان مهمان خرجت بهما منها، الناس ألوان ومذاهب ولا يسيرون على كيف واحد، وهناك لحظة بعد إعلان نتائج أي انتخابات تأتي بعد ساعة أو يوم أو أكثر نتساءل فيها كم خسرنا من الأصدقاء؟ وكم جرحنا الآخرين لأجل الانتخابات؟ تلك اللحظة الثقيلة لا أعانيها بتاتاً.الفقرة الأخيرة:الكويت ليست "كيف" واحد بل "كيفان" وأكثر... افهموها.