دجاجةٌ حَفَرتْ على رأسها عَفَرتْ!
هناك ثلاثة احتمالات لما قاله الرئيس السوري بشار الأسد لمقدمة البرامج باربرا وولترز في قناة "أي بي سي" الأميركية واستدعى كل هذه التأويلات، وكل هذه الضجة التي انعكست على مجريات الأحداث المتلاحقة في سورية، والتي أثارت العديد من التساؤلات في الكثير من الأوساط العربية والغربية المتابعة.الاحتمال الأول: أن بشار الأسد لا يعرف فعلاً ما يجري في بلاده، وأنه عندما يقول رداً على سؤال حول القمع الذي يتعرض له الشعب السوري: "أنا رئيس... لست مالك البلاد... إذن هي ليست قواتي" فإن هذا يعزز ما يقال عن أنه يُمضي وقتَه في الانشغال بالرد على التعليقات الموجهة إليه وإلى نظام حكمه عبر الإنترنت، وأن الذين يديرون الحكم ويشرفون على المواجهة المحتدمة منذ مارس الماضي هم شقيقه ماهر وزوج شقيقته آصف شوكت ومستشاره الأمني محمد ناصيف خير بيك.
الاحتمال الثاني: أنه أراد أن يسجل منذ الآن، تلافياً لملاحقته كمجرم حرب في المستقبل، أن لا علاقة له بكل هذه المآسي التي تحل بالشعب السوري، وأن مسؤولية هذه المجازر التي أزهقت أرواح أكثر من أربعة آلاف مواطن بريء تقع على الذين كانوا يمارسون مسؤولياته كرئيس للجمهورية وكقائد أعلى للقوات المسلحة وكأمين عام وأمين قطري للحزب، بدون علمه وبدون أن يستشيروه لا في الشاردة ولا في الواردة، ولا في الصغيرة ولا في الكبيرة.أما الاحتمال الثالث فهو أن بشار الأسد، كعادة كل المسؤولين في هذا النظام، أراد خلط الأوراق وبعثرة الأمور حتى لا تفهم باربرا وولترز ولا يفهم المشاهدون الأميركيون الذين اعتادوا أن كلام مسؤوليهم واضحٌ وقاطعٌ ولا يحتاج إلى "ضاربة ودعٍ"، ما الذي أراد أن يوصله إليهم وما هي حقيقة الأوضاع في سورية؟ وإزاء هذا كله فقد كان على باربرا وولترز الصحافية المخضرمة، التي استجوبت مئات الملوك والرؤساء وكبار المسؤولين على مدى أكثر من ستين عاماً، أن تسأل بشار الأسد عندما نفى علمَه بما يجري في بلاده وعندما قال إن القوات التي ترتكب كل هذه المذابح الوحشية ليست قواته: ولكنك أنت القائد الأعلى لهذه القوات بحكم أنك رئيس الجمهورية يا فخامة الرئيس!.ربما قصد الرئيس بشار الأسد أن "يتشاطر" ويتحدث بهذا الكلام المليء بالتناقضات ليربك باربرا وولترز ويربك مشاهدي تلفزيون "أي بي سي" لكنه في حقيقة الأمر أربك أركان حكمه، ولذلك بادر الناطق الرسمي باسم الخارجية السورية هرولة لإصلاح ما أفسده رئيسه لكنه "زاد الطين بلَّة" كما يقال، والمثل الشعبي يقول: "دجاجة حَفَرتْ على رأسها عَفَرتْ".لقد كانت النتيجة أن جاء الرد الأميركي على هذه "الفهلوة" بقول أحد المتحدثين الأميركيين: "إن هذا الكلام يعني إما أن الرئيس السوري آخر مَن يعلم بما يجري في بلاده أو أنه مجنون فعلاً"، ولقد كانت النتيجة أيضاً أن قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر: "أرى أنه من السخيف أن يلجأ (الأسد) إلى الاستخفاف بالآخرين، وأن يتجرأ على القول إنه لا يمارس السلطة في بلاده، في حين أنه لا يقوم بأي شيء آخر غير قمع حركة معارضة سلمية بطريقة وحشية".ويبقى في النهاية أنه لابد من القول رحم الله الفاروق عمر بن الخطاب، الذي ربما لا يطيق الأسد سماع اسمه، الذي قال: "والله لو أن بغلة عثرت في نبيط العراق لكان عمر مسؤولاً عنها".