هل هذا الاستغراق في حشد كل هذه الخدمات والحرص عليها من قبل كثير من الحجاج، يتوافق مع فكرة الحج المقترنة بالمشقة ومع فكرة الحاج الأشعث الأغبر الذي سيغفر الله له، الحج هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، الذي نفهم أن المسلم يسعى من خلاله وعبر بذل الجهد والتعب الذي يبذله للطواف بتلك المناسك والإتيان بتلك الشعائر المقدسة التقرب إلى الله، عز وجل؟

Ad

سأبارك أولا لحجاج بيت الله الحرام عودتهم إلى أوطانهم وأهليهم سالمين غانمين بحفظ المولى تبارك وتعالى، سائلا الله أن يتحقق فيهم حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، حين قال: "من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه".

وسأقول ثانيا، إنه صار من المألوف عندنا اليوم أن تقدم حملات الحج الكويتية، لحجاجها الانتقال من مكة وإليها عبر أفضل وسائل النقل وأكثرها راحة، والإقامة هناك في أفخر الفنادق والمساكن، وأن تطعمهم من ولائم فاخرة وبوفيهات عامرة بها ما لا يخطر على بال مقيم، ناهيك عن بال مسافر، بل ناهيك عن بال حاج! خدمات صارت أشبه ما يكون بالأحلام، اكتشفت، وقد كنت بالفعل لا أدري، أنها وصلت إلى حد تقديم آيس كريم "باسكن روبنز" وقهوة الماكياتو واللاتيه وغيرها لحجاج بعض الحملات ذات "الخمس والست نجوم"، ولهذه الجزئية قصة سأحكيها لكم.

منذ أيام توقفت وأحد الأصدقاء عند حديث أبي هريرة الذي جاء فيه: "إن الله تعالى يباهي بأهل عرفات ملائكة السماء، يقول، انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبرا من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم". توقفنا عند هذا الحديث مليا بعدما رأينا صورة ليافطة لإحدى حملات الحج الشهيرة تظهر أنها صارت بالفعل تقدم لحجاجها، من جملة ما تقدمه لهم من خدمات، آيس كريم "باسكن روبنز"، وقهوة اللاتيه والكابوتشينو والماكياتو وأخواتها، وغيرها!

لست هنا أحاول التلميح، ولا حتى من بعيد إلى عدم جواز هذا الأمر، معاذ الله، ولكنني بالفعل أجدني مجبرا على التوقف عند هذه المفارقة التي ترسمها مع تلك الدلالات والمعاني التي ترتبط بفكرة أن الحج مقرون بالتعب والجهد المضني، وصولا إلى أن الله عز وجل وصف أهل عرفات حين باهى بهم أهل السماء أنهم قد جاؤوا شعثا غبرا من كل فج عميق، وأنه قد غفر لهم، لأتساءل مندهشا: أين ذلك الجهد الكبير في الحج اليوم في ظل هذه الخدمات الخيالية التي تقدمها حملات الحج؟ أين الحاج، الكويتي على وجه الخصوص، الأشعث الأغبر في زمننا هذا؟

مرة أخرى سأكرر بأني لم أكن لأقطع مغفرة الله التي وعد بها أهل عرفات، معاذ الله، ولكنني أسأل فقط: هل هذا الاستغراق في حشد كل هذه الخدمات والحرص عليها من قبل كثير من الحجاج، يتوافق مع فكرة الحج المقترنة بالمشقة ومع فكرة الحاج الأشعث الأغبر الذي سيغفر الله له، الحج هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، الذي نفهم أن المسلم يسعى من خلاله وعبر بذل الجهد والتعب الذي يبذله للطواف بتلك المناسك والإتيان بتلك الشعائر المقدسة التقرب إلى الله، عز وجل؟

يا سادتي، إن في هذه المسألة ما يستحق التوقف عنده مليا حقا، لكنني وبالرغم من ذلك فلن أحاول السؤال عن الرأي الشرعي في مثل هذا الموضوع، وإن كانت نفسي تغريني بذلك، وسأكتفي بأن أظل أتساءل بالأمر بيني وبين نفسي، وأن أتركه لكم أيضا لتقلبوه على وجوهه، ولتتفكروا. هل تراه يستقيم؟!