تُمارَس في الكويت لعبة ذكية جداً من أغلبية كبار القوم من السياسيين والاقتصاديين الرافضين لفرض أي نوع من الضرائب عليهم، عبر تكتيك استُخدِم منذ طرح فكرة ضريبة الدخل على أثر التراجعات الحادة في أسعار النفط في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وتم تطبيق ذلك التكتيك عبر إطلاق حملة ترهيب للعامة من فكرة الضرائب، وأنها ستستقطع من دخول الكويتيين، وستقلص مقدراتهم المالية ومستوى الرفاه الاجتماعي لهم، وهو الأمر الذي أثار ردة فعل شعبية قوية لمنع طرح فكرة الضرائب العامة حتى للنقاش وإسقاطها، وهو ما تريده حقيقة السلطة والقوى النافذة في البلد، ولكنها تطرحه بين فترة وأخرى استجابةً لمطالب مؤسسات دولية، وأحياناً لترهيب فعاليات اقتصادية عندما تنزع إلى المعارضة السياسية.

Ad

بلاشك أن استبعاد فكرة ضريبة الدخل هو انتصار لأصحاب النفوذ وقوى رجال الأعمال، الذين تعودوا في الكويت على جني أرباح كبيرة لا متناهية ضمن نظام الاحتكارات والوكالات التجارية، دون تقديم أية مبالغ منتظمة لخزينة الدولة- وهو نظام اقتصادي فريد- خاصة أنهم لم يخوضوا هذه المعركة بل من خاضها هو المواطن البسيط، الذي تم خداعه بأن ما فعله في تحييد وإسقاط موضوع الضرائب هو انتصار كبير له، بينما مصلحته الحقيقية تستوجب أن يكون موقعه في الصف الآخر المؤيد للضريبة، لأنه المتضرر الأول من بقاء الحال على ما هو عليه، لأن أغلبية العمالة الوافدة التي تستهلك الخدمات العامة (طرق، ومستشفيات، وكهرباء وماء...إلخ) تعمل لدى القطاع الخاص، وتحتل الوظائف وتستهلك تلك الخدمات المكلفة التي تصرف عليها الدولة لتحقيق الربح والمنفعة لصاحب الأعمال الذي يحصل على تسهيلات عديدة وامتيازات مختلفة من الدولة ومواقع مهمة من المناصب العامة أيضاً.

كما أن هناك معلومات مضللة ومنقوصة تُقدَّم وتُروَّج للمواطن الفقير – وأعني هنا الفقير بالمعرفة- بأن ضريبة الدخل ستنال من دخول الجميع مع أن الشائع في جميع النظم الضريبية أن تكون هناك شرائح معفاة من الضرائب، وأنا أفترض أنه إذا تم تطبيق الضرائب مبدئياً على من يزيد دخله السنوي على 25 ألف دينار وعلى أرباح المضاربين في العقار والبورصة اليومية دون المستثمرين لمدخراتهم أمداً طويلاً، فإن 70 في المئة من الكويتيين لن يدفعوا أية ضرائب، بل إن جميع أصحاب الدخل المحدود وشريحة كبيرة من أصحاب الدخول المتوسطة لن يتأثر مستواهم الاقتصادي بضريبة الدخل، وتطبيقه سيحقق أهم مبادئ العدالة الاجتماعية عبر مشاركة الشريحة الأكثر استفادة من ثروة الدولة في إعادة تمويل الخزانة العامة، لتحقيق التوازن الذي يطالب به معظم ناشدي الإصلاح السياسي والاقتصادي في الكويت.

العجيب أن الكثير من الكتاب والسياسيين والناشطين الذين يطالبون بالعدالة الاجتماعية والإصلاح وحماية الأموال العامة، هم أنفسهم من يحاربون مبدأ فرض الضرائب في الكويت بشكل عام ويحرضون المواطنين ضده، دون حتى بحث تفاصيله وفتح حوار بشأنه، ويتفقون مع أصحاب الأعمال الذين يطالبون بالرسوم على الجميع بالتساوي، ويرفضون الضرائب التصاعدية، وهو سلوك غير مفهوم من هؤلاء الكتاب والسياسيين، ولا ندري إن كان ما يقومون به يتم عن جهل أو لخدمة جهة ما، بينما كان المتوقع منهم أن يقوموا بتوعية الأغلبية بفائدة الضريبة ودورها في تحقيق التكافل الاجتماعي المنصوص عليه في الدستور، وكذلك لمنافعها الكثيرة، التي من أهمها تقديم الإقرار الضريبي السنوي الذي سيكون بمنزلة كشف ذمة مالية لمحاربة الفساد والرشوة، ولذلك فإن من يُسقط في كل مرة فكرة الضريبة في الكويت يؤخر مشروع الإصلاح الشامل للوطن ويساهم في استمرار الاختلالات الاقتصادية ومنع تحقيق التوزيع العادل للثروة.