تُرى هل أصبح "توقيت الديمقراطية" أبطأ من أن يمكنها من الاستجابة للأزمات، وأقصر من أن يسمح لها بالتخطيط للأمد البعيد؟

Ad

في وقت يتسم بتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في العديد من ديمقراطيات العالم الغنية، تكتسب الإجابة عن هذا التساؤل أهمية بالغة، ففي إيطاليا على سبيل المثال، يتحلى رئيس الوزراء ماريو مونتي بالطموح الكافي والمشروع لتنفيذ إصلاحات شاملة.

وهو في واقع الأمر رجل يتسم بالكفاءة والإخلاص، ولكنه يواجه عقبة شبه بنيوية: ففي حين كان لدى الزعماء ذات يوم نحو ثلاثة أعوام لإقناع الناخبين بالفوائد المترتبة على سياساتهم، أصبح الآن لديهم ثلاث ساعات لإقناع الأسواق المالية العالمية بدعم توجهاتهم.

ولكن هل يستطيع مونتي، المحاصر بين مطرقة المشرعين الإيطاليين الذين لا يفهمون في أعماقهم هذا التغيير، وسندان الأسواق الباحثة عن اليقين شبه الفوري، يتجاوز حصافته الطبيعية ويعمل بالقدر الكافي من الوضوح والحسم؟

وفي الولايات المتحدة أيضا، أصبح النظام السياسي مختلاً على نحو متزايد، فيذهب الفيلسوف السياسي فرانسيس فوكوياما إلى حد القول بأن "ديمقراطية حق النقض" قادرة على التغلب على الديمقراطية، بصرف النظر عن الفائز في انتخابات 2012 الرئاسية، فاليوم يقود "مبدأ الفصل بين السلطات"، وهو المبدأ الذي أرساه مؤسسو الولايات المتحدة تحت تأثير فلاسفة من أمثال مونتسكيو، إلى حالة أشبه بالشلل الكامل.

الواقع أن الديمقراطيات لا تعاني بطئا في ردود أفعالها في أوقات الأزمات فحسب، بل من الصعوبة التي تواجهها في إبراز نفسها في المستقبل والتخطيط للأمد البعيد، أيضاً، وعلى كل من ضفتي الأطلسي، يعرف الزعماء السياسيون ماذا يتعين عليهم أن يفعلوا من أجل بلدانهم، ولكنهم لا يعرفون كيف قد يُعاد انتخابهم إذا فعلوا ذلك.

ويبدو الأمر وكأنهم محكوم عليهم بنيوياً بالبقاء في عالم الأهداف والغايات القصيرة الأمد.

ولكن هذا لا يرجع إلى أن الديمقراطية تعاني "مشكلة زمنية" تجعل عصرها يبدو في نظر البعض وكأنه انتهى، فالصين تباهي عن حق بقدرتها على فرض نفسها على القرن الثاني والعشرين. ولكن الصين مدينة بخاصية التفكير للأمد البعيد إلى ثقافتها لا إلى طبيعة نظامها السياسي. فالصينيون يفكرون للأمد البعيد لأنهم صينيون، وليس لأنهم غير ديمقراطيين. لا شك أن قادة الصين قادرون على التفاعل مع الأحداث من دون النظر كثيراً إلى الرأي العام الصيني، فالأغلبية العظمى من الصينيين لا يحلمون بالديمقراطية على أي حال، حتى في ظل نشوء شيء أشبه بالمجتمع المدني، والذي يعمل على توليد مصالح ومطالب جديدة لم يعد من الممكن السيطرة عليها بالكامل أو التلاعب بها، كما كانت الحال في الماضي.

لكن هذه على وجه التحديد نقطة الضعف التي تعيب الأنظمة غير الديمقراطية في عصر العولمة الذي تهيمن عليه الشفافية: فمن يحلم بأن يصبح مواطناً صينياً، أو حتى سنغافورياً؟ في أعقاب الانتقال الوراثي للسلطة في كوريا الشمالية، يؤكد المفكرون الاستراتيجيون عن حق الدور الرئيس الذي تلعبه الصين في صياغة مستقبل شبه الجزيرة الكورية، ولكن على الرغم من مشاهد الهستيريا التي أعقبت وفاة "القائد العظيم" كيم يونغ إيل، ربما يحلم أغلب الكوريين الشماليين بالانضمام إلى كوريا الجنوبية الديمقراطية (حتى لو كان العديد من الكوريين الجنوبيين يخشون هذا الاحتمال).

ربما لا يرغب أغلب الصينيين في أن يُحكَموا وكأنهم غربيون، ولكن من الخطأ أن نفترض أن طموحهم الوحيد يتلخص في الإنفاق مثل الغربيين، فكلما أحرزوا المزيد من النجاح أصبحوا أكثر ميلاً إلى الحس الفردي، وتوقعوا المزيد من الاحترام والتقدير من جانب هؤلاء الذين يحكمونهم.

وفي المقابل، إذا تباطأ النمو الاقتصادي في الصين، وهو أمر مرجح في الأعوام المقبلة، فإن الاحتجاجات ضد الفساد- التي تشكل مصدراً لهشاشة أي نظام- ستتصاعد، ومن الأهمية بمكان أن نأخذ في الاعتبار أن اثنين فقط من أصحاب أعلى المناصب وقع الاختيار على خليفتيهما قبيل عملية انتقال الزعامة الصينية المقبلة، وأن هذا يتم من خلال عملية من التنصيب التدريجي تحت إشراف مئة شخص على الأكثر.

إن الأزمة الحالية التي تجتاح الدول المتقدمة، والتي قد تؤدي إلى ركود عالمي (إن لم تكن بدأت تؤدي إلى هذا بالفعل)، لا تكشف عن العديد من العلل التي تعيب الأنظمة الديمقراطية فحسب، بل إنها تعمل كحاضنة لهذه العلل ووسيلة للتعجيل بتفاقمها، أيضاً. ورغم هذا فإن الأزمة قد تخلف تأثيراً أعظم في الأنظمة غير الديمقراطية التي تبدو أكثر كفاءة، ولكنها في واقع الأمر أكثر هشاشة، وبوسعنا أن نرى هذا في الاضطرابات المتصاعدة في كل من روسيا والصين.

على النقيض مما قد يتصور المرء، فإن الديمقراطية تتمتع بقدر أكثر من المرونة مقارنة بكل البدائل في الأمد البعيد. وستظل هذه الحقيقة راسخة ما دام الديمقراطيون مقتنعين بها، والنماذج غير الديمقراطية غير قادرة حقاً على تحدي الديمقراطية، فالتحدي الوحيد الذي قد يواجه الديمقراطية هو سوء سلوك الديمقراطيين.

* دومينيك مويزي | Dominique Moisi ، مؤلف كتاب «الجغرافيا السياسية والعاطفة».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»