لا شيء أسوأ من التمسح بالدين لتبرير تصفية الإنسان، حين فتح حسن نصر الله النار على إسرائيل سنة 2006، ومن ثم ردت إسرائيل بحرب شعواء على لبنان، قال بعد انتهاء الحرب: «لو كنتُ أعلم أن إسرائيل سترد بهذه القوة لما أسرت الجنديين»، ثم حين اجتاح بيروت في مايو 2008 تعهّد حزبه بعدم توجيه السلاح مرة أخرى إلى الداخل، وهو اليوم يؤيد ما يفعله بشار الأسد بالسوريين، أتأمل ردة فعل السوريين وموقفهم من السيد وحزبه بعد أن وقفوا معه مراراً، ونافحوا عنه، واعتبروا أنفسهم جزءاً منه، ولم يتخلوا عنه في ساعات الحرب، لكنه اليوم يتخلى عنهم، ويعتبرهم من المتمردين الذين لا يمانع أبداً أن يقمعهم نظام بشار الأسد، بل يبارك هذا ويتمنى أن ينجو النظام السوري من ثورة شعبية سلمية.

Ad

في حرب تموز 2006 أخذ حزب الله ونصر الله شعبية عربية وإسلامية كاسحة، وشبهوه بجمال عبدالناصر، غير أن الأمر لم يدم طويلاً حتى تنهار صورته، فقط حين وجه سلاحه إلى الداخل من جهة، وحين أيد قمع المتظاهرين في إيران سنة 2009 معلناً عدم وجود تزوير في الانتخابات، وصولاً إلى تأييد نظام الأسد ضد الشعب السوري، بسبب هذه الممارسات الحزبية السيئة خسر الحزب صورته العربية والإسلامية التي حظي بها في حروبه مع إسرائيل، ومن أين له أن يواجه إسرائيل الآن، لقد أغلق عليه قرار مجلس الأمن 1701 أي فرصة للتحرش بإسرائيل مرة أخرى، لهذا فهو يشعر أنه يخزن السلاح بلا هدف، ولا نستغرب إن وجه سلاحه إلى الداخل، أو ساعد النظام السوري في قمع المتظاهرين.

المشكلة أن هذا الحزب يزعم أنه يلتزم بتعاليم علي بن أبي طالب، رضوان الله عليه، وهو عن هذه التعاليم بعيد، حيث نقرأ في «نهج البلاغة» أن من عهد الإمام علي لمالك الأشتر عندما ولاَه على مصر: «... وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعيَّةُ بِكَ حَيْفاً، فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ، وَاعْدِلْ عَنكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ، وَرِفْقاً بِرَعيَّتكَ، وإِعْذَاراً تَبْلُغُ فِيه حَاجَتَكَ مِنْ تَقْويمِهِمْ عَلَى الْحَق»، ثم يقول له: «... إيّاك وَالدَّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَة، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَة، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَة، وَانْقِطَاعِ مُدَّة، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا. وَاللهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ، فِيَما تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ; فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكَ دَم حَرَام، فَإِنَّ ذلِكَ مِما يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ، بَلْ يُزِيلُهُ وَيَنْقُلُهُ. وَلاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللهِ وَلاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لأنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ. وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَأ وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ; فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً، فَلاَ تَطْمَحَن بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُم».

هذا هو نهج الإمام علي الرحيم العطوف على رعيته، الذي يقدر قيمة الإنسان ويحصن الدماء، ولا يسفكها بحق أو من دون حق، إن على من يدعي اتباع نهج علي بن أبي طالب أن يقدر للإنسان قيمته، وألا يؤيد الطغاة على المظلومين من الشعوب المقهورة بمن فيهم الرجال والنساء. شتان بين من يؤيد نظاماً يسفك دماء الأطفال، وهو يهتف باسم الحسين وعلي بن أبي طالب، شتان بين التعاليم الإنسانية الآتية من عمق بيت النبوة، وبين التعاليم الوحشية التي تؤلب الدكتاتور على شعبه... شتان!