وكأن شيئاً لم يحدث، فاليوم كما الأمس بالنسبة إلى قوى عَدَمية لا تعرف عن قوانين الصراع إلا إصدار البيان والرفض و«قلْ كلمتك وامشِ»، ففي عام 1974 عندما ذهب ياسر عرفات ليخاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة من فوق منبرها في نيويورك اعترضت بعض الفصائل الفلسطينية على أنه لم يلوح بمسدسه وإنما بغصن الزيتون إذ قال: «أُناشدكم ألا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي».

Ad

لقد كانت أهمية ذلك الذهاب أن العالم اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية وأنها بعد ذلك أصبحت عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، ووضعت أقدامها على بداية تغيير العالم لنظرته إليها وعدم اعتبارها منظمة إرهابية بل حركة تحرير وطني، وهذه بالنسبة للذين يعرفون قوانين الصراع مسألة في غاية الأهمية سعت إليها كل حركات التحرر التي قادت شعوبها نحو الاستقلال والتحرر واستعادة السيادة الوطنية.

أول المعترضين على ظهور ياسر عرفات خلف منبر الأمم المتحدة ليتحدث باسم شعبه وباسم منظمة التحرير صبري البنا (أبو نضال), الذي وُجد «منتحراً» في آخر أيام صدام حسين بست رصاصات في رأسه!, وكان هذا الرجل قد انشق عن حركة «فتح» في بدايات سبعينيات القرن الماضي بتشجيع من الرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر الذي كان لا يطيق أبوعمار ويرفض السلام عليه عناقاً كما هي العادة العربية.

وغير هذا الرجل, الذي وُصف في كتاب لمؤلف فرنسي بأنه «بندقية للإيجار», كانت هناك جبهة الرفض الفلسطينية المتحالفة مع جبهة رفض عربية على رأسها جماهيرية العقيد القذافي, هذا ما غيره, وكانت يومها حركة «حماس» لم تُنشأ بعد وكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هي التي تتصدر الرافضين الفلسطينيين الذين من بينهم جبهة أحمد جبريل (الجبهة الشعبية-القيادة العامة) بالإضافة إلى فصائل أخرى «مايكروسكوبية» لا وجود لها على أرض الواقع.

الآن هناك, ويا للعجب, من لا يكتفي برفض ذهاب محمود عباس (أبو مازن) إلى الأمم المتحدة ليطالب باعتراف جمعيتها العمومية, التي ستجتمع بعد أيام, بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967 بل ويرفض أيضاً الاعتراف بهذه الدولة على هذا النحو ويصر على انتزاعها بأسنة الرماح وبـ»حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد»... ولله في خلقه شؤون!

وهنا فإن ما يثير الاستغراب والضحك أيضاً أن الخارجية اللبنانية لدى اعترافها قبل فترة بمكتب منظمة التحرير في بيروت كسفارة لدولة فلسطين اشترطت أن تكون هذه الدولة من البحر الأبيض المتوسط في الغرب وحتى نهر الأردن في الشرق وفقاً لرأي «سيد المقاومة» حسن نصر الله الذي لم يعد يقاوم إلا بغزواته على بيروت الغربية وإصراره على مصادرة الطائفة الشيعية التي لم يكن يُعرَفُ عنها قبل إنشاء حزب الله على يد السفير الإيراني الأسبق في دمشق محمد حسن أختري إلّا الطيبة والانتماء القومي واحتضان القضية الفلسطينية ومساندة كل القضايا العربية والابتعاد عن المذهبية والطائفية.