المجلس العسكري بين الاقتناع والاضطرار
قد يغضب مقالي هذا الكثيرين من المنتمين إلى القوات المسلحة، لكن المواجهة مطلوبة أحيانا، والصراحة مطلوبة دائما؛ مع الإيمان بأن شجاعة الفكر أكبر قيمة وأعلى مكانة من شجاعة الفعل.بعد خلع الرئيس مبارك بـ10 أيام كان أول حديث تلفزيوني لثلاثة من ألوية المجلس العسكري، ورغم نجاح اللقاء في إيجاد درجة من التعاطف الشعبي معهم فإن الكثيرين– وأنا منهم- كانوا يشعرون بدرجة ما من التباطؤ في عمل المجلس العسكري، وتمسكت بيقيني هذا طوال الشهور التالية، إلا أنني أعدت التفكير وقراءة الأحداث مرة أخرى، فوجدت أنه لا يمكن اتهام المجلس العسكري بالتباطؤ فتهمة التباطؤ لا تثبت إلا في حال إيمان المجلس العسكري بالثورة، أما إذا لم يكن لدى المجلس العسكري إيمان بالثورة أو قناعة بمطالبها فلا يمكن اتهامه؛ لذا أقول وبصراحة شديدة إن المجلس العسكري غير مقتنع بالثورة وغير مؤمن بها، ولكنه- على الجانب الآخر- مضطر لحمايتها والدفاع عنها.
وعودة إلى قراءة الأحداث من البداية وباختصار سنجد أن موقعة "الجمل" يوم الأربعاء 2 فبراير ما كان لها –بدهيا- أن تتم بدون موافقة أو تغاضي قوات الجيش المرابطة والمحيطة بميدان التحرير، فقد حدث الاختراق والانطلاق من ميدان عبدالمنعم رياض إلى ميدان التحرير تحت سمع وبصر قوات الجيش، ومن المعروف يقينا أن موقعة الجمل هي الموقعة الفاصلة ونقطة الحسم في نجاح الثورة، وهنا نسأل: لماذا سمح بها الجيش؟!نعود إلى النقطة الأولى وهي الاقتناع، ففي هذا الوقت (2 فبراير) لم يكن المجلس العسكري مقتنعا بالثورة ولا مؤمنا بها، وكان ينتظر- مثله مثل الرئيس المخلوع- نتيجة موقعة الجمل، فإن نجح "البلطجية" وفلول الوطني والشرطة في القضاء على المظاهرات ودخول ميدان التحرير فستنتهي الثورة وينتهي كل شيء. ويظل الجيش حاميا للشرعية الدستورية، وهو الرئيس المخلوع (كان نزول الجيش في 28 يناير تنفيذا لأوامر الرئيس)، ولكن فشلت الموقعة ونجحت الثورة وتم خلع الرئيس في 11 فبراير، وهنا لم يكن أمام المجلس العسكري سوى حماية البلد ومنشآته، ولم يكن هناك من طريق لذلك سوى تأييد الثورة، ومن هذه اللحظة بدأ التأييد للثورة اضطرارا وليس اقتناعا، والسؤال لماذا يضطر المجلس إلى ذلك؟ والإجابة لأنه ليس هناك بديل آخر.لم يكن أمام المجلس سوى تأييد الثورة فقد بدأ التذمر داخل المؤسسة العسكرية ذاتها، فلو لم يتم التأييد لحدث انفجار داخلي في الجيش نفسه، كما أن ما يقوله البعض بسذاجة شديدة بأن المجلس كان يمكنه الأمر بضرب الثوار والقضاء على الثورة بالقوة، ولكنه لم يفعل فهذا نرد عليه ببساطة أشد أن ذلك كان يعني أمرا واحدا، هو نهاية المجلس العسكري ونهاية القوات المسلحة ونهاية مصر، وهذا بالتأكيد ما لا يسعى إليه أكثر الأفراد جنونا أو حمقا أو حقدا.وسارت الأمور بعد ذلك والمجلس العسكري يجد نفسه صباح كل يوم وبين كل موقف وآخر مضطرا للسير في ركب الثورة على مضض– ولهذا يبدو أحيانا متباطئا- ولكن الحقيقة أنه مازال إلى الآن غير مؤمن بالثورة ولا مقتنع بمطالب الثوار، ولكنه فقط يؤدي واجبه في حماية مصر.لقد اتخذ المجلس عدة قرارات، ولكن للأسف ليس هناك قرار واحد تم بمشاورة القوى السياسية والثورية... صحيح أن هناك قرارات صادفها الصواب والإجماع الشعبي، ولكن يبقى السؤال: هل تم اتخاذها بالمشورة مع القوى السياسية واقتناع برأيها أم اضطر إلى لذلك؟أعلم أن هذا الحديث ثقيل على النفس، وأتمنى أن أكون مخطئا، وأن يقتنع المجلس العسكري بالثورة ومطالبها اقتناعا حقيقيا، وأن يسعى إلى تحقيق آمال الشعب وتطلعاته، فإن كان اليوم مضطرا لمسايرة الثورة ظاهريا فقد يضطر غدا إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير.