لأن خارطة الطريق الديمقراطي وتداول السلطة واضحة في الدول الديمقراطية فإنه لا يوجد خلاف حول طبيعة نظم الحكم، كما أن رؤساء الدول ورؤساء الحكومات يتغيرون باستمرار، إذ لا تتعدى فترة ولاية كل منهم 8 سنوات كحد أقصى على افتراض نجاحهم في الانتخابات لمرتين متتاليتين.
لهذا نراهم يعيشون حياة هانئة بعد انتهاء فترة ولايتهم، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر رؤساء أميركا السابقون جورج بوش وابنه وبيل كلينتون، ورؤساء وزراء بريطانيا السابقون مارغريت تاتشر وجون ميجور وتوني بلير وغوردن براون، إذ إنهم يجوبون العالم إما للاستمتاع بالحياة وإما لحضور المؤتمرات وتقديم المحاضرات والاستشارات المدفوعة الثمن حول فن إدارة الدولة والشأن العام وكيفية ممارسة الحكم الرشيد.أما في دول عالمنا المتخلف فإن غياب خارطة الطريق الديمقراطي وتداول السلطة جعل الخلاف السياسي حول طبيعة نظم الحكم محتدما، إذ إن الرئيس يتشبث بالحكم لعقود طويلة جدا بعد أن يفصّل "ترزية القانون" ما يسمونه "دستورا" على مقاسه؛ من أجل ديمومة بقائه في الحكم الذي لا يتركه إلا في حالة الوفاة أو الإزاحة القسرية من الحكم كما حصل مع الطاغية صدام والمستبدين حسني مبارك وزين العابدين بن علي اللذين يقضيان الآن أرذل العمر، إما في السجن كما يتوقع أن يحصل لمبارك وإما في المنفى كما هي حال بن علي. أضف إلى ذلك أن الطغاة في بلداننا يكونون دائما على أتم الاستعداد لحرق الأخضر واليابس، وارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية؛ حتى لو وصل الأمر إلى الإبادة الجماعية؛ من أجل البقاء في السلطة، كما هي حال طاغية اليمن المصاب حاليا، ودكتاتور ليبيا الموجود حاليا على ما يبدو في جحر صغير تحت الأرض حتى يهرب من شعبه ومن الملاحقات الدولية، أو مثل طاغية سورية الذي يرتكب يوميا مجازر ضد الإنسانية يندى لها الجبين. كما أن الأسوأ من كل ذلك أن هؤلاء الطغاة المستبدين لا يتركون وراءهم سوى الدمار، إذ تعاني بلدانهم بعد رحيلهم أسوأ المعاناة، وهو الأمر الذي يجعل القوى الحية في هذه المجتمعات المبتلاة بهؤلاء الطغاة تحاول جاهدة تلمس طريق الخلاص من خلال التوافق على خارطة للطريق الديمقراطي.ومن حسن حظنا في الكويت أن وضعنا مختلف عن بقية الدول العربية التي تواجه حاليا مشاكل سياسية، إذ إن نظام حكمنا الديمقراطي مستقر، فلا خلاف سياسيا حول الحكم إطلاقا بعد أن حصّنته الشرعية الدستورية التي نصت عليها المادتان (4 و6) من الدستور، وهو ما تمسك به الشعب الكويتي في أثناء الاحتلال وخلال مؤتمر جدة عام 1990. كما أن لدينا خارطة طريقنا المتوافق عليها، وهي دستور 1962 الذي لو طبقناه بشكل صحيح، ثم طورناه كما ينص على ذلك، فإننا لن نضل طريق التطور الديمقراطي، وهو ما لم يحصل للأسف الشديد، إذ إن المحاولات السابقة لنسف الدستور استبدلت بتفريغه من محتواه، وتحويل مجلس الأمة إلى مجلس صوري، وهو ما أثار موجة من الغضب الشعبي عبّر عنه الشباب أخيرا في ساحتي "الصفاة والإرادة". لهذا ولكي يتم استثمار الغضب الشعبي لمصلحة تطورنا الديمقراطي، وحتى لا نتوه في لجة التفاصيل، ونضيع وقتنا الثمين في المماحكات السياسية وردود الفعل السريعة التي قد تخلط الأوراق، وتستغل لأجندات شخصية وصراعات ثانوية لا تخدم أبدا تطورنا الديمقراطي، فإن المطلوب هو توافق وطني بين القوى والعناصر السياسية يمهد الطريق لالتفاف شعبي عام حول الإصلاحات السياسية والدستورية المطلوبة التي تؤسس للنهج الجديد، الذي يتجاوز تغيير الأشخاص ليكون نهج دعم وتطوير لنظام الحكم الديمقراطي الذي يحافظ على طرفي المعادلة السياسية من دون إخلال بأي منهما كما جاء في نص المادتين (4 و6) من الدستور، فهل يا ترى نلتزم بخارطة طريقنا الديمقراطي التي حددها الدستور أم نتوه في الطريق؟
مقالات
خارطة الطريق الديمقراطي
06-06-2011