شبابنا... إلى أين؟

التقيت بسيدة كبيرة ووالدة مجتهدة تحب خدمة أهل العلم وطلابه في أحد محال طباعة البحوث، وإذا بها تبادرني الحديث عن مدى حبها لطلبة العلم ورغبتها اللامتناهية في خدمتهم بشتى الطرق والوسائل.

ثم تطرقت في الحديث عن ابنتها التي تدرس في إحدى جامعات البحرين، وكم تكلفها الدراسة من تذاكر سفر وحجز في الفندق، فهذا وحده له سعر ولمصاريف الجامعة سعر آخر، ولمتطلبات الدكاترة أيضا سعر لوحده، فكم تتكبد تلك الأم الفاضلة من المصاريف والمشاق في الذهاب مع ابنتها وانتظارها لحين انتهاء محاضراتها. صحيح أن الدراسة في البحرين كل أسبوع إلا أن الطالب يجلس على مقعد الدراسة سبع ساعات متواصلة خلال الأيام الثلاثة التي يقضيها في نهاية الأسبوع هناك، وهذا الفضل يعود فيه لله ثم لهذه الأم المجاهدة.

إلا أن ما أحزنني وكدّر صفوي وجعلني أخط كلماتي تلك أن هذه الأم لم تحضر إلى هذا المحل لأجل أوراق خاصة بها- وهذا ما ظننته في البداية- إنما لأجل ابنتها الجامعية المهملة اللامبالية بمهامها كطالبة جامعية يفترض أن تسعى جاهدة إلى بذل طاقتها لإنهاء ما طلب منها من قبل أساتذتها.

وعندما سألتها لم لا تقوم هي بمهامها؟ أخبرتني أنها لا مبالية ومقصرة ولا تعد واجباتها إلا ليلة السفر، كما أنها تفضل قضاء وقتها في التسكع في المجمعات مع زميلاتها اللاتي يدرسن معها في البحرين، ويعشن نفس حالها من أعباء دراسة ومكابدة سفر مع أهاليهن.

صعقت عند سماعي لذلك لأنني لم أتصور وصول حال شبابنا إلى هذا الإهمال، وألهب غيظي أن تلك الأم غير راضية بصنيع ابنتها، فأقل ما تتمناه منها مقابل تلك المصاريف والمشاق التي تتكبدها أن تحقق نتائج عالية في دراستها حتى لا يضيع تعبها سدى... فيا شبابنا... إلى أين؟ فهل وصلت بكم الحال إلى عدم المبالاة بأدنى مسؤولياتكم، فتوكلونها لآبائكم وأمهاتكم؟ كيف ستعولون أنفسكم لو حدث مكروه لا سمح الله لوالديكم؟ متى تتركون حياة اللعب المترف واللهو المغالى فيه؟ أرى أن الحياة التي تعيشونها لا طعم لها لأنها خالية من أي إنجاز سواء على الصعيد الدراسي أو الفكري أو الروحي أو الثقافي أو المالي وأحيانا حتى الصحي.

شبابنا عودوا إلى رشدكم، ويا أختي يا من كابدت والدتك من أجلك، كافئيها بالقليل، واهدي إليها نجاحك وطيبي خاطرها، فو الله يا شبابنا فيكم كل الخير والقوة والشدة، إلا أنه لا بد من إزالة الغبار عن عزائمكم ومعدنكم الأصيل، وأشهدوا الله أن في أنفسكم خيراً.