-1-

Ad

هل أصبحت الثورات العربية التي نجحت في تونس ومصر، والتي لم تحقق أهدافها بعد في ليبيا، واليمن، وسورية، في مأزق حرج الآن؟

وما هذا المأزق الحرج التي تتعرض له الثورات العربية، سواء تلك التي نجحت، أو التي في طريقها إلى النجاح؟

وهل هذا المأزق الحرج داخلي أم خارجي، أم هو داخلي وخارجي معاً؟

وكيف يمكن الخروج من هذا المأزق، وبسرعة، وقبل أن يتعدى عدد الضحايا عشرات الآلاف، وقبل أن تُنهك كل القوى الداخلية والخارجية، وتتقدم الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومنظمات حقوق الإنسان أخيراً، بمقترحات تُنهي الثورة، وتنادي بالمصالحة، التي سيعقبها مطاردة الثوار، وقتلهم، والتخلص منهم، وعودة الدكتاتورية الحمراء في ليبيا، واليمن، وسورية، بضراوة وعنف أكبر، مما كانت عليه سابقاً. وبذا، يتم القضاء على ما تبقى من الوطن، والمواطنين والمواطنة الصالحة؟

أسئلة كثيرة، قلقة، وحائرة، تدور في الفضاء العربي، تبحث عن الأجوبة التي يبدو معظمها سلبياً، لأسباب كثيرة، سوف نحاول إيجازها.

-2-

بدايةً، لا بد لنا من الاعتراف- بشجاعة وصراحة متناهية- أن الثورات في بلدان الدكتاتوريات الحمراء القاسية (ليبيا، واليمن، وسورية) قد تأخرت عن موعدها، وتوقيتها الجيد، سبع سنوات تقريباً.

فلو أن هذه الثورات اندلعت تزامناً مع حملة (تحرير العراق) عام 2003، واقتلاع صدام حسين من العراق، لكان الوضع في البلدان الثلاثة المذكورة، أسهل بكثير مما هو عليه الآن. ولوجدت شعوب هذه البلدان الثائرة، قوة خارجية جبارة، تساعدها على التخلُّص من الدكتاتورية القروسطية الحمراء التي تحكمها، كما تخلَّص العراق من دكتاتورية صدام حسين القروسطية الحمراء.

صحيحٌ، أن هذه البلدان سوف تفقد الكثير من الضحايا، وسوف تدفع ثمناً غالياً، ولكنها في النهاية، سوف تضمن أن الدكتاتور قد اقتُلع، وأن الدكتاتورية الحمراء قد قُضي عليها نهائياً. وربما سترى بعض البلدان دكتاتورية خضراء لينة في بلدانها كدكتاتورية نوري المالكي وحزب «الدعوة» في العراق. ولكن هذه الدكتاتورية الخضراء، تظل أهون شراً من الدكتاتورية الحمراء القاسية، والصعبة الاقتلاع، إلا بسلطان جبار كسلطان أميركا، وجبروتها.

-3-

ولكن المأزق الحاد الآن، أن أميركا ليست هناك، وأن قواتها ليست هناك.

فأميركا تحت الإدارة الديمقراطية المترددة، وليست تحت الإدارة الجمهورية المقدامة.

وأميركا الآن، تعاني أكبر ضائقة مالية في تاريخها كله، ومهددة بالإفلاس، ويرفض الكونغرس الجمهوري، رفع سقف الدين الأميركي، لكي تتجنب أميركا ويلات وكوارث اقتصادية ماحقة في المستقبل القريب. وأميركا مترددة الآن في التمديد لقواتها في العراق، ولديها نية لسحب بعض قواتها من أفغانستان، خاصة بعد القضاء على بن لادن، وإلقاء جثته في بحر العرب، وجعله طعاماً سائغاً لسمك القرش!

-4-

في الجانب الآخر، فإن الدول العربية الباقية، ليست على استعداد للتدخل في شؤون ليبيا، واليمن، وسورية، لأنها ترى أن هذا التدخل، سواء لمصلحة الأنظمة الدكتاتورية الحمراء القروسطية، أو لمصلحة الثورات الشعبية، سوف يضر بمصالحها ومستقبلها السياسي.

كذلك، فإن هذه الأنظمة الدكتاتورية القروسطية في ليبيا، واليمن، وسورية، قد تمكنت خلال السنوات السبع الماضية (2003-2010) من زيادة قدراتها البوليسية الهائلة على حساب قدراتها العسكرية المواجهة لإسرائيل، بحيث أضعفت قدراتها العسكرية لحساب قدراتها البوليسية، تحسباً لمواجهة أي ثورة داخلية، كتلك التي اندلعت في مطلع 2011.

إضافة إلى ذلك، فإن ليبيا، واليمن، وسورية، قد قامت بدور مضاد، وبفعل عكسي، لما جرى في العراق.

فليبيا قامت في عام 1988 بتفجير طائرة مدنية فوق لوكربي. ولكنها في عام 2007، قامت بمصالحة الغرب، وإشغال الرأي العام الليبي بهذه المصالحة، وبمحاولة الإفراج عن عبدالباسط المقراحي، وصرف أنظار الرأي العام الليبي عمَّا يجري في العراق.

وقام الرئيس الفرنسي ساركوزي بزيارة ليبيا، ووقع اتفاقاً لتعاون نووي سلمي معها، وقال إن القذافي، لا يعتبر دكتاتوراً في العالم العربي!

وزار القذافي إيطاليا لأول مرة، وأقام عدة مشاريع مالية واستثمارية هائلة، ذكرها بالتفصيل الصحافي الإسباني (ميغيل مورا) في مقاله (القذافي الطاغية الذي اشترى الغرب). (جريدة «السفير»، 1/4/2011).

وزارت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس القذافي في طرابلس، وتقبَّلت ليبيا مسؤوليتها الكاملة عن كارثة لوكربي، واستعدت لدفع التعويضات بمليارات الدولارات.

أما الدكتاتورية السورية القروسطية، فقامت بإلهاء الشارع السوري عن تحرير العراق من الدكتاتورية الحمراء القروسطية الصدامية، وانهيار حكم حزب البعث في العراق، بعقد الاتفاقية الاستراتيجية مع إيران قبل 2007، والتركيز على ممانعة السلام مع إسرائيل، وتزويد حزب الله بالسلاح، وإرسال قوافل الإرهابيين عبر سورية إلى العراق- ومعظمهم من شباب دول الخليج- لنشر الإرهاب والرعب، في أرجاء العراق.

أما اليمن، فاكتفى بوقوفه وتعاطفه إلى جانب صدام في 2003، ومعارضته لحملة «حرية العراق»، ونشره رسائل إعلامية، تقول باستعمار أميركا للعراق، وعدم شرعية الحملة على العراق.

وهكذا، قامت الدول الثلاث ليبيا، واليمن، وسورية بالدور اللازم، لتضليل الرأي العام العربي بحملة «حرية العراق» واعتبار هذه الحملة استعماراً أميركياً للمنطقة، يجب طرده، والتخلص منه.

وهكذا خرجت أميركا من العراق بسواد الوجه، بعد أن خسرت حولي 500 مليار دولار، وأكثر من أربعة آلاف جندي. وكانت إيران هي الرابح الوحيد من هذه الحملة، حيث تمَّ القضاء على عدوها الأكبر صدام حسين، وزاد نفوذها السياسي في العراق بواسطة حزب «الدعوة»، وارتفع ميزانها التجاري مع العراق، بحيث أعلن الملحق التجاري في السفارة الإيرانية في بغداد، أن حجم الصادرات إلى العراق بلغ 6 مليارات دولار في 2010، ويتوقع أن يرتفع إلى 9 مليارات دولار في 2011.

واستطاعت تمرير ملفها النووي بسلام حتى الآن، دون أن تستطيع أميركا أو الغرب عموماً، أن يقوما بأي فعل مضاد يُذكر، ويعيقا إيران عن المضي في مشروعها النووي، مما قوى من شوكة سورية، وحزب الله في المنطقة، وأضعف الدور العربي الخليجي بشكل عام.

-5-

إن قليلاً من التفكير في الثورات العربية، منذ الثورة التونسية (18/12/2010) حتى الآن، يقودنا إلى مأزق حرج لهذه الثورات. وهذا المأزق يتلخص في ألا خلاص لهذه الثورات، إلا بتدخل خارجي قوي وصارم، وهو ما لا يتوافر حتى الآن، والخوف يتأتى من سحق هذه الثورات. حيث إن هذا السحق محتمل في ظل تفوق القدرة العسكرية والمالية والبوليسية للدكتاتوريات القروسطية الخضراء (تونس ومصر) والحمراء (ليبيا، اليمن، وسورية) على السواء، والذي يهدد بلدان هذه الثورات بالعودة عدة قرون إلى الوراء، من كل النواحي.

* كاتب أردني