ليس أدونيس وحده، لكنه أكثرهم وضوحا وتحديدا، هو الخائف من نتائج الربيع العربي، ينافس أدونيس كثير من المرتعبين وإن اختلفت أهدافهم وتنوعت مصادر هلعهم. فمنهم المثقف الخائف على مصدر نفوذه وأكل عيشه، ومنهم المثقف الخائف على مستقبل حرية تفكيره، وهي حرية أحادية النظرة لإيماننا بأن الأنظمة الدكتاتورية لا تسمح الا بحرية الاتجاه الواحد والعين والواحدة والرئة الواحدة. فلا يتنفس الكاتب الا من خلال مزاج هذا النظام أو ذاك.

Ad

أدونيس على غرار هؤلاء يبدو أن خوفه من الديمقراطية أكثر من خوفه من الأنظمة الشمولية. فالرجل يعيش بحرية في باريس ويحسده على حريته كثير من المثقفين الذين يعانون وطأة القهر وظلام السجن وضيق حرية البحث والتفكير. أدونيس وغيره كثيرون يريدون بقاء أي نظام شمولي كنظام البعث هربا من الديمقراطية التي ستجلب رجل الدين الى الساحة السياسية. وهو خوف غير مبرر وأكاد اقول انه رأي ساذج لا أتصور أن يصدر عن كاتب بحجم أدونيس.

سأنقل لأدونيس صورا من جريمة نظام البعث والإرث الذي تركه الأب للابن، رغم يقيني التام بأن أدونيس يعرف أكثر مما سننقل عن شاهد العيان السيد توماس فريدمان والذي كتب قبل أيام مقالة مؤلمة بعنوان "الابن شبيه الأب". الكلام التالي نقلا عن فريدمان بتصرف: في أبريل 1982 كنت وصلت الى بيروت كمراسل لنيويورك تايمز وسمعت عن قصص مرعبة حدثت في فبراير حول مجزرة قام بها حافظ الأسد ضد مدينة حماة والذي هدم المنازل على ساكنيها. وكان النظام يشجع السوريين للمرور بالمدينة المنكوبة  فاستأجرت سيارة وذهبت الى هناك وما رأيته كان مذهلا، كانت المباني قد تم تسويتها بالأرض وأخذت شكل ملاعب كرة القدم وكلما ركلت الأرض بقدمك خرجت بقطعة ملابس أو كتاب ممزق أو حذاء. قدّر عدد القتلى بعشرين ألف مواطن وهو ما أطلقت عليه في كتاب لي في ما بعد بـ"قانون حماة". انتهى حديث السيد فريدمان.

ما أطلق عليه السيد فريدمان "قانون حماة" هو القانون الذي يتبعه الابن متأثرا بما تركه له الأب. وحماة في فبراير عام 1982 هي حمص في فبراير 2012 ولكن يبدو أن صوت الأرواح تحت أنقاض حماة لم تقض غفوة أدونيس الذي كان حاضرا يومها ولن تقض الأرواح في حمص غفوته الثانية. لا يرى أدونيس وغيره من أعداء الديمقراطية التي ستجلب رجل الدين الى السياسة بأسا بأن يفقد الانسان حياته في سبيل بقاء النظام حتى وان كان نظاما دكتاتوريا. ولكننا نؤكد لهم أن خرافة نتائج الديمقراطية التي تفزعهم لا تعني الكفر بها واذا آمن بها رجل الدين وعاد بها الى السياسة فذلك مدعاة أن نفتخر بها لا أن نحاربها. فالديمقراطية هي خيار الناس أولا وأخيرا.

نحن ندرك خوف أدونيس وغيره وتخوفهم من نتائج الربيع العربي، ونفهم ونتفهم أن التيار الديني ليس هو الطموح نحو مزيد من الحريات البحثية والفكرية والأدبية والفنية، ولكننا أيضا ندرك أن الديمقراطية التي أتت بهم هي الديمقراطية التي ستذهب بهم، اذا لم يحققوا ما تصبو اليه الجماهير. وأن الخوف من انقلابهم على الديمقراطية سيكون محكوما بالفشل أمام جماهير عرفت معنى التضحية من أجل الديمقراطية. أما الحديث عن بقاء الدكتاتوريات المقيتة في الوطن العربي ونحن في هذا العصر من التكنولوجيا فهو محض هراء. وعلينا أن نعي أن التخلص من ارث الاستبداد الذي سيطر على العقل العربي لنصف قرن لن تأتي نتائجه المرجوة بين غمضة عين وانتباهتها.