حوار مع الجدران
إصدار بيانات الشجب والاستنكار ووعظ الناس بمكارم الاخلاق وتحريم الرشاوى السياسية والعادية، كل هذا كلام لم ينفع بالامس ولن يكون مجدياً بالغد، فالسلطة «كانت» و«مازالت» و«ستظل» تحيا على شراء الولاءات السياسية بحسب أسعار السوق المحلية.وليس بالغريب أن يقبض نائب و»نواب» مقابلاً مادياً أو معنوياً بصورة تسهيل وإنجاز معاملات ناخبيه، وإنما الغريب ألّا يحدث مثل ذلك في بلد أسست دعائمه بداية ومنذ لحظة تفجر الثروة البترولية على فكرة انتهازية قوامها شراء الولاءات وإحلال قوانين السوق مكان معايير الأخلاق.
الكلام الآن عن اتهامات بجرائم غسل الأموال لبعض النواب الذين تفجرت حساباتهم بين ليلة وضحاها إلى ملايين الدنانير هو مجرد حديث «مأخوذة زبدته»، ولن يفيد أيضاً أن يكشف النائب أو الوزير أو كبار المسؤولين عن ذممهم المالية وأرصدتهم الحسابية، فما أسهل ان تفتح حساباً مصرفياً في الخارج ويتم تحويل مقابل رصيد الخدمات السياسية في ثوانٍ، وحين يطالب النائب مسلم البراك الحكومة بكشف حسابات النواب والتغييرات التي طرأت على ملكياتهم العقارية في السنوات الثلاث الماضية كأن ينتقل تصنيف عقاراتهم من فئة ذوي الدخل المحدود إلى خانة ذوي المال الممدود، فتلك الأسئلة المؤلمة وإن كانت تشفي الغليل إلا انها لا تداوي، والعليل هو «الدولة» كلها بنظامها السياسي الحاكم وشعبها المحكوم، والعلة اليوم هي اللامبالاة الشعبية للفساد المالي والإداري عند كبار القوم أياً كانت مراكزهم، وليست علتنا وليدة المصادفة الريعية فقط وإنما هي عمل خُطِّط له وتم تدبيره منذ زمن بعيد، فكانت هناك سياسة مدروسة لإفساد المواطنين وتخدير وعيهم، وتم بنجاح توسعة سياسة «دبلوماسية الدينار» ونقلها من علاقات الدولة مع الخارج إلى علاقة المواطن بالوطن، فأنا لا أستغرب مشاهدة قصور كبيرة وكثيرة فخمة يسمونها «شاليهات» يحيا أصحابها برغد العيش أيام العطل وهم من كانوا (وأعلم تاريخهم) في سالف الأيام على باب الله.كانوا على «طقتنا» وأضحوا من أهل النعيم بعد أن رشهم النفط السياسي، وأقصد «بركة» العمل من «أجل» الوطن في النيابة البرلمانية أو الوزارة.حالة اللامبالاة التي أشكو منها مصدرها فيروس تم تربيته في مختبرات السلطة، وحقن بأوردتنا، ونمنا بغيبوبة اللااكتراث، فما الجدوى من محاورة الجدران؟!.