بعد 10 أيام من خلع الرئيس مبارك تم أول لقاء إعلامي مع ثلاثة من قادة المجلس العسكري في برنامج تلفزيوني، واختلفت آراء المصريين بعد البرنامج؛ منهم من رفض ما قالوه وأنكره، والكثيرون تعاطفوا معهم وأيدوهم، وكنت من الفريق الأول، وكتبت مقالا بعنوان «القوات المسلحة بين التواطؤ والتباطؤ» مستشهدا بمواقف عديدة للجيش منها موقفه يوم الأربعاء 2/2 (موقعة الجمل) ووقوفه موقف المتفرج، وكذلك تقاعسه غير المبرر في القبض على أركان النظام السابق وتضارب التصريحات بين الصباح والمساء... إلخ.

Ad

 وبمرور الأيام بدأ أنصار الفريق الثاني بالتناقص تدريجيا، وأصبح الجميع على شبه يقين بتباطؤ القوات المسلحة في إدارة البلاد (يعتبر الكثيرون أن التباطؤ هو الدرجة الأدنى من التواطؤ)، واستمرت الحال هكذا، وتم الاستفتاء على التعديلات الدستورية والقبض على أركان النظام، وعلى الرغم من ذلك ما زال البعض على يقينهم بوجود شيء ما مجهول.

 واليوم يضيف المجلس العسكري خيارا  ثالثا وهو: من المعروف سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا أنه من المستحيل أن يتفق الجميع على رأي واحد في كل الأمور، ولو كانوا عدد أصابع اليدين، فإن اتفقوا دينيا اختلفوا سياسيا، وإن توافقوا دينيا وسياسيا تباينوا اقتصاديا وفكريا، وإذا كانت هذه حال 10 أشخاص فهل يمكن أن يتفق الـ85 مليون مصري؟!

 إن هذا هو المستحيل بعينه وإن كان كذلك فمن الغباء أن نسعى إلى تحقيقه، فبذل الجهد والوقت لتحقيق المستحيل هو قمة الغباء، وقد يكون الغباء مقبولا من الجنود في وجود قائد ذكي لكن العكس غير مقبول، وقديما قالوا «أن يقود أسد جيشا من الوعول خير من أن يقود وعل جيشا من الأسود».

تقول الأسطورة اليونانية إن «سيزيف» كان أميرا يعمل بالتجارة ويهوى ركوب البحر، ولكنه كان مخادعا جشعا، فسرق وقتل وهتك الأعراف والتقاليد، فعاقبته الآلهة بأن يحمل صخرا من أسفل الجبل إلى قمته، وقبل أن يصل إليها تتدحرج الصخرة وتهبط إلى أسفل فينزل «سيزيف» ويحملها ثانية، وكلما اقترب من القمة تتدحرج الصخرة فينزل ويعاود حملها مرة أخرى... وهكذا.

ودون الدخول في تفسيرات كثيرة لهذه الأسطورة التي يراها البعض دليلا على النشاط غير المنتهي، ويراها آخرون دليلا على قيام الإنسان بواجبه دون النظر إلى النتيجة، يجمع الفلاسفة على أنها مثال للأعمال غير الهادفة وغير المؤثرة ولا جدوى منها.

منذ أكثر من 3 شهور وبعد الاستفتاء على الدستور والمجلس العسكري يشكل لجانا تدير حوارا، ويعقد مؤتمرات تناقش أوضاعا وحوارا هنا ونقاشا هناك آملا أن ينال إجماع المصريين، ويصل بالصخرة إلى قمة الجبل، وكلما اقترب اختلف فريق أو جماعة وأعاد الحوار إلى نقطة الصفر، وكلما خرج علينا مفكر برأي أو فقيه دستوري بفتوى عدنا مرة أخرى إلى سفح الجبل نحمل الصخرة ونحاول الصعود... فإلى متى يا مجلسنا العسكري الموقر؟!

ذكرنا من بداية الثورة أن الاستقرار السياسي سيستغرق وقتا، قد يصل إلى عامين أو ثلاثة، ولكن من المفترض وجود مؤشرات إلى أننا نسير في الطريق وننتهي، ونصل إلى الاستقرار، ولكننا للأسف بهذه الطريقة التي يتبعها المجلس العسكري نبدو مثل «سيزيف» نرفع الصخرة بلا جدوى.

يرى الفيلسوف الفرنسي «ألبير كامي» أننا جميعا «سيزيفيون» نعيش هذه الحياة ونقاتل فيها ونحن نعلم أن كل ذلك زائل وبلا جدوى، فهل هذا ما يؤمن به المجلس العسكري ويطبقه؟

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة