رغم تفاؤل ذوي القلوب الطيبة الذين لا يعرفون حقائق الأمور فقد كان واضحاً أن الوحدة الوطنية الفلسطينية, التي هي في حقيقة الأمر محاولة للتصالح بين «فتح» وحركة حماس أو بين دولة غزة ودولة رام الله, لن تتم على غرار ما حدث مراراً وإن هي تمت فإنها ستبقى من حيث الواقع مجرد بيان إنشائي بلغة جميلة ومجرد احتفال في الجامعة العربية المهيضة الجناح يخطب فيه محمود عباس (أبو مازن) وخالد مشعل بعد تظاهرة عناق يصفق لها الحضور حتى تحمرُّ أكفهم.
لم تكن هناك قناعة بمثل هذه المصالحة لا بالنسبة إلى حركة فتح ولا بالنسبة إلى حركة حماس، وكان لكل من هاتين الحركتين مستجدات دفعتها إلى الانتقال من دائرة الخصام, الذي وصل حدَّ المواجهة العسكرية والتذابح بالسلاح, كما حصل خلال انقلاب غزة المشؤوم, إلى دائرة تبادل تبويس اللحى أمام الكاميرات التلفزيونية بينما كان كل تنظيم يغرز رأس خنجره في خاصرة التنظيم الشقيق. كانت «حماس» في الخارج ممثلة بمجموعة المكتب السياسي, وعلى رأسه خالد مشعل, منخرطة حتى ذقنها في تحالف «المقاومة والممانعة» وكانت هذه «الحماس» تستمتع برغد العيش في دمشق ومطمئنة إلى رسوخ العلاقات بين قطر وسورية وإيران، ولذلك فإنها لم تكن بوارد أي مصالحة مع حركة «فتح» ولا بوارد التخلي عن دولة غزة التي لا تزال تعتبر أحد أرقام المعادلة الإيرانية في هذه المنطقة، ولذلك فإنه قد تم إفشال اتفاق مكة المكرمة الشهير وتم سد الطريق أمام كل جولات الحوار التي أشرف عليها رئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان على مدى أعوام عدة. لكن ولأنه «من مأمنه يؤتى الحذر» ولأن كل هذه المستجدات التي عصفت بالمنطقة وبسورية وبالعلاقات القطرية-السورية فإن خالد مشعل ومكتبه السياسي وجدوا أنفسهم أمام حقائق الواقع الجديد, التي تفقأ العيون, لم يجدوا من أجل التقاط أنفاسهم مؤقتاً, كي يبحثوا عن قاطرة جديدة يستقلونها وحضن جديد يأوون إليه, إلا الاندفاع في اتجاه العدو اللدود حركة فتح، والانطلاق هرولة للقبول بالمبادرة المصرية التي كانوا أشبعوها رفضاً استجابة للرغبة السورية والرغبة الإيرانية. وبدوره فإن (أبومازن) الذي كان في حاجة إلى نزع كل الحجج من يد بنيامين نتنياهو، الذي كان يتهرب من استحقاق عملية السلام بالقول إنه لا يجد الطرف الفلسطيني الذي بالإمكان توقيع اتفاق عملية سلمية معه، قد بادر إلى مقابلة خطوة خالد مشعل التصالحية بعشر خطوات وذهب تحت إلحاح هذا العامل دون الاستماع إلى رأي بعض مساعديه وبعض كبار قادة «فتح» الذين كان رأيهم ضرورة التريث والمزيد من التريث والعمل على انتزاع مواقف من حركة حماس لا تستطيع التراجع عنها إذا ما استجدت عوامل تجعلها في وضع أفضل من هذا الوضع الذي داهمها فجأة فأصابها بالارتباك والشعور بأنها لم تعد مدعومة بما كان يشعرها بالقوة. وحقيقة إنه ثبت أن خالد مشعل قد أعطى إلى نفسه ومجموعته من أعضاء المكتب السياسي من خلال مناورة المصالحة هذه الوقت الكافي لمراجعة حساباته ولتحرير خياراته من ضغط اللحظة الراهنة، وهذا هو ما حصل بالفعل، إذ إنه عاد إلى دمشق كما يقال بتأكيدات إيرانية على دعمه بكل وسائل الدعم ليحتفظ بموقعه القيادي الحالي رئيساً للمكتب في الانتخابات التنظيمية التي من المنتظر أن تجريها هذه الحركة بعد عيد الفطر المبارك مباشرة.
أخر كلام
نهاية مصالحة بائسة!
09-07-2011