يشارك الكاتب الأميركي وليم فوكنر (1897-1962)، الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1949، الكثير من الكتاب العظام في العالم قناعاتهم بأن أي كاتب إنما يعتمد أساساً على مراكمة تحصيله الثقافي المتنوع والمتجدد، ومعين تجربته الحياتية الخاصة، وممارسة صنعة الكتابة بشكل مستمر، للوقوف على أسرارها، أكثر من اكتفائه بالاستناد إلى موهبته الشخصية وحدها. ونسبة الموهبة قد تنحصر إلى 20 في المئة، مقارنة بـ80 في المئة التي تذهب لعوالم التجربة الحياتية والتحصيل الثقافي وصقل الموهبة الإبداعية، والتواصل مع الدوائر الإبداعية والثقافية لاتقان صنعة الكتابة، لذا فإن تواصل مختلف الأجيال الثقافية، والاطلاع على نتاجها الإبداعي، في أي مجتمع من المجتمعات، إنما يشكل دعامة أساسية للكتاب عامة، وللكاتب الشاب على وجه الخصوص.
أقل من أسبوع فصل بين لقائي مع شباب «منتدى المبدعين»، في رابطة الأدباء، مساء الاثنين 4 يوليو، ولقائي مع شباب مبدعين آخرين، جمعتني بهم «ورشة القصة القصيرة» التي نظمها في «جامعة الخليج» مركز «دوافع»، بالتعاون مع «رابطة الأدباء» ودار «بلاتينيوم بوك-Platinum Book»، وامتدت بالفترة من 9 إلى 13 يوليو الجاري، والمفرح في كلا اللقاءين هو الرغبة الجادة في التحصيل الإبداعي والثقافي التي بدت واضحة من خلال النقاشات التي دارت في اللقاءين، إضافة إلى الإرادة والعزم الكبيرين لتحقيق طموح مشروع، في إثبات الذات، وتأكيد الوجود الإبداعي على ساحة القصة والرواية في الكويت.إن بعداً كبيراً في المسافة الجغرافية لبعض البلدان، قد يحرم الكاتب الشاب فرصة لقاء أديب يقرأ له، أو ناقد يتواصل معه. وربما عُدَّ صغر مساحة دولة الكويت جغرافياً، عنصراً إيجابياً يُسجل لمصلحة الحركة الثقافية والأدبية، ومصلحة الكاتب الشاب في تواصله مع مختلف أجيال الكتابة والإبداع، والتعرف عن كثب على تجارب الكتابة وصنعة الأدب.تركّز جزء كبير من أسئلة شباب «منتدى المبدعين»، حول القراءة، والقراءة المتخصصة، والمرتكزات الأساسية التي يحتاج إليها الأديب الشاب في بداية رحلته، وتكرر الأمر نفسه في «ورشة القصة القصيرة»، وانا أرى أن القراءة إذ تشكل الحافز الأول للكتابة، والمحطة الأهم في تأسيس وتلوين ذاكرة ووعي أي كاتب، فإنها من جهة أخرى، تقدم خبرة حيوات كثيرة ما كان من الممكن معايشتها لولا القراءة، وما كان ممكناً النفاذ إلى أسرار عوالمها لولا إبداع وفنية الكتابة، فالقراءة للأديب لا تأتي من باب المتعة وحدها، بل هي القراءة المتأنية الفاحصة، التي تساعده على التمييز بين أسلوب وآخر، وبيئة وأخرى. إن على مستوى صوت الراوي وضمير السرد، أو على مستوى التنقل من زمن القص إلى أزمان الحكاية، وبين مكان القص والحدث اللحظي وأمكنة الحكاية. أو على مستوى المفردة والجملة والعبارة، وأخيراً على مستوى الرؤية الإنسانية التي يطرحها كل كاتب، منطلقاً من بيئته الاجتماعية، ومدى ترجمتها للهم الإنساني المشترك بين جميع البشر.قد يحسب البعض لقاء كاتب متمرس مع شباب مبدعين في بداية طريق رحلة الكتابة، فائدة للشباب وحدهم، لكن المؤكد بالنسبة إلي، أنه فائدة كبيرة أيضاً للكاتب المتمرس، فهذه اللقاءات تشكل جسراً من المودة والمعرفة بين مختلف أجيال الكتابة والفن، وتكون عادة مشحونة بروح الشباب الوثابة، وبتطلعاتهم المستقبلية الجميلة، وبأفكارهم ورؤاهم التي تنبع من اللحظة الحاضرة. وكم هو ضروري لأي كاتب التواصل مع الكتابة الشبابية وإمعان النظر فيها، والاستماع إلى ما خلفها؟إن اقتراباً ودوداً من الشباب المبدعين على الساحة الثقافية الكويتية، يظهر ولعاً حقيقياً بالكتابة، وإيماناً كبيراً بدورها في المجتمع، وهاجساً مشروعاً وعشقاً للسير على دروبها، وهذا مجتمع يدعونا إلى انتظار أصوات مبدعة قادمة.
توابل
وصل الشباب الجميل!
19-07-2011