قررت الجامعة العربية تعليق عضوية سورية لحين قيامها بالتنفيذ الكامل للمبادرة العربية بوقف قتل المدنيين والإفراج عن المعتقلين وإخلاء المدن من المظاهر المسلحة وفتح المجال أمام منظمات الجامعة ووسائل الإعلام العربية والدولية للاطلاع والمراقبة، وهي المبادرة التي اعتمدتها الجامعة في 2 نوفمبر الجاري وقبلتها سورية وتعهدت بتنفيذها، لكن عملت على نقيضها إذ تصاعدت أعمال القمع وارتفعت أعداد القتلى والجرحى والمعتقلين.
قرار التعليق لم يكن متوقعاً للكثيرين الذين انتقدوا المبادرة كونها أعطت النظام مهلة أسبوعين استغلهما لسفك المزيد من دماء السوريين وكان الواجب المسارعة لاتخاذ إجراء بتعليق العضوية وفتح الطريق أمام حماية دولية لشعب من حقه بعد 9 أشهر من الذبح والتشريد والاغتيال أن يطالب بحقه في الحماية وذلك مسؤولية العرب أولاً والمجتمع الدولي ثانياً.أخيراً قامت الجامعة بتجميد عضوية سورية وهو أضعف الإيمان، فهذه الجامعة التي نشأت نادياً رسمياً للنظم العربية تنسق بينها لكن بدون أي تدخل في شؤونها الداخلية طبقاً للميثاق، هذه المؤسسة التي لطالما نعتناها بالعرجاء والعاجزة والهرمة "65 عاماً"، ها هي اليوم تنتفض على تاريخها وتتمرد على ماضيها وتتحرر من تقاليدها الموروثة لترتفع إلى مستوى تطلعات شعوبها في الحرية والكرامة والعدل ولتثبت أن بيت العرب الجامع لن يبقى أسير نظم تستعبد شعوبها، وأنها قادرة على مواكبة التغيرات وفاعلة في مواجهة التحديات، الآن: ما دلالات هذا القرار؟ وما معنى اتفاق 18 دولة عربية على تجميد عضوية دولة هي مؤسس للجامعة مع تحفظ دولتين وامتناع دولة؟! إن لذلك دلالات ومعاني عديدة تصب في ما نسميه سقوط أوهام الدولة القومية المتسلطة من أبرزها:1- أن الدول العربية، بما فيها الدول الثلاث التي لم تؤيد التعليق لكنها مع وقف العنف والحوار كما قال ميقاتي، أصبحت لا تصدق بعد اليوم رواية النظام السوري وحلفائه عن المؤامرات الخارجية التي تستهدف سورية بسبب دورها القومي النضالي، وهي غير مستعدة للاستماع إلى اسطوانة التواطؤ الدولي والعصابات المسلحة المدفوعة من الخارج، العرب اليوم يستخفون بالرواية السورية المملة عن الجماعات الأصولية المسلحة التي تستهدف المدنيين وتخرب وتدمر! رفض العرب هذه الرواية الخيالية وقرروا أن حماية المدنيين مسؤولية النظام، لا أحد يصدق روايات النظام عن عفاريت التآمر إلا النظام نفسه، لذلك لم يكن مستغرباً من "المعلم" وتابعه "الأحمد" اتهام الجامعة بالعمالة والتآمر لخدمة المخطط الإسرائيلي-الأميركي الساعي لتفتيت سورية تمهيداً لتفتيت المنطقة وبحجة أن سورية هي حصن العروبة الحصين وقلبها النابض فإذا سقط النظام سقطت المنطقة، هذا الوهم المرضي المزروع تم إسقاطه، ألم يكن حصن العروبة وقلبها النابض هو الذي مكن للنفوذ الإيراني من اختراق المشرق العربي؟! وهل العروبة حق حصري للنظام السوري من يخرج عليه يتهم بالعمالة؟! المشكلة أن الدكتور البوطي وهو عالم دين محترم أصابه هوس التآمر فذهب ينتقد المتظاهرين مستنكراً: أنتم لا تطالبون بإسقاط النظام بل بإسقاط الإسلام، إن ما تفعلونه ليس إلا تحقيقاً لأمر صدر من الخارج، من برنار ليفي الصهيوني، فهل النظام السوري أصبح اليوم محتكراً للعروبة والإسلام معاً؟!2- إن العرب اليوم جميعاً أصبحوا لا يثقون بوعود النظام بعد أن امتحنوه في زيارات للأمين العام واللجنة الوزارية وأمهلوه 4 أشهر ولم تسفر إلا عن مزيد من القتل والاغتيال مما أكد للجميع أن النظام لا يؤمن إلا بالحل الأمني.3- إن الجامعة غير مستعدة للاستمرار في تغطية نظام أبى إلا أن يذبح شعبه، وهي لا تستطيع السكوت عن سياسة المناورة والخداع بهدف شراء الوقت للاستمرار في القتل، فلابد من تعرية النظام عربياً أمام المجتمع الدولي لتعزيز الجهود الرامية لمزيد من الضغوط على دمشق، كما أن من شأن إزالة الغطاء العربي أن يضعف مساندة روسيا والصين للنظام، الأمر الذي يزيده عزلة عربياً ودولياً.4- سقوط شعارات المقاومة والممانعة الزائفة وسقوط أوهام حصن العروبة الحصين وهي شعارات طالما تذرع بها النظام لقمع المعارضة وتسويف الإصلاح بحجة أن الأولوية للصراع العربي الإسرائيلي وأنه لا صوت يعلو صوت المقاومة، مع أن الجبهة السورية هي الأهدأ عبر 4 عقود لم تطلق منها طلقة تجاه إسرائيل بشهادة مخلوف لـ"نيويورك تايمز": "إذا لم يكن هناك استقرار في سورية فلن يكون هناك استقرار في إسرائيل".5- سقوط سياسة الإنكار وأوهام المكابرة والاستعلاء كما يقول مشاري الذايدي: حينما صدرت العقوبات الأوروبية خرج المعلم قائلاً: سننسى أن أوروبا على الخارطة! وحين صدر بيان الجامعة غضب وصعد وقال: إن البيان كأن لم يكن! واستشاط غضباً: كيف تجرؤ الجامعة على تعليق عضوية سورية بكل ما تمثله من ثقل في العمل المشترك وفي الأمن القومي العربي؟! فلا بد أن يكون القرار "مبيتاً" وإملاءً أميركياً، بينما تطوع تابعه الأحمد وشتم الجامعة وتكلم بذاءات ليست مستغربة على أمثاله من الذين تنتابهم الهواجس التآمرية المرضية! يقول الكاتب طه خليفة: سقطت سياسة الإنكار السورية إذ أنكر النظام وجود ربيع للحرية في بلده زعماً بأنه نظام مقاوم وأن الشعب معه في الخندق وأنه ليس كالنظام المصري المطيع ولا التونسي المتواطئ، وادعى أن من يحاربهم "مسلحون إرهابيون"، لكن هذا الخداع لم ينطل على أحد باستثناء حلفائه، واليوم يسقط الإنكار والكذب وينفضح النظام أكثر.6- سقوط أوهام التخويف والتهديد، إذ هدد النظام السوري مرات عدة بإشعال المنطقة ونشر الحرائق إلى حقول النفط الخليجية وإغلاق الممرات المائية: هرمز وقناة السويس، بل هددت القيادة السورية في تصريح لـ"صنداي تليغراف" بتدمير منطقة الشرق الأوسط خلال 6 ساعات، لكن الجامعة العربية استخفت بهذه التهديدات كلها ولم تأبه لها.7- سقوط أوهام المراهنة على شق صفوف الجامعة العربية كما يقول الكاتب حسان حيدر ويضيف: لقد كان النظام يراهن على شق صفوف الجامعة مثلما فعل مراراً في السابق لكنه فشل هذه المرة لأنه لم تكن هناك "مطية" قومية يعتليها ولا "عدو صهيوني" يزايد به على الآخرين، كان النظام نفسه في قفص الاتهام، والتهمة ثابتة عليه، إنه يقتل شعبه، أما المدافعون عنه أي شركاؤه في معسكر الممانعة فمتورطون في الجريمة نفسها كل في ساحته: اليمن والسودان والجزائر، إذا وضعنا جانباً الأسير "اللبناني".8- سقوط أوهام تخويف المجتمع الدولي بفزاعة الأصوليين الذين إذا وصلوا إلى الحكم فإنهم يستهدفون إسرائيل والمصالح الغربية، وهي الفزاعة التي استغلها النظام على مدار العقود الماضية للهروب من الضغوط الدولية والعربية وقد انقلب عليه اليوم.* كاتب قطري
مقالات
تجميد عضوية سورية... سقوط الأوهام
21-11-2011