لم يكن الأول من نوفمبر عام 1975 تاريخاً عابراً في مسيرة الثقافة الكويتية، يوم افتتح، أحد أهم رجالات التنوير في الكويت، الأستاذ عبدالعزيز حسين أول معرض كتاب في الكويت، ففي ذلك اليوم ضُرب موعد للقاء سنوي يتجدد بين محبي الفكر والعلم والأدب والفن والثقافة، وبين أحدث الكتب العربية والأجنبية التي تنتجها وتنشرها المطابع ودور النشر على طول وعرض العالم العربي.
ثلاثة عقود ونصف مرت على افتتاح معرض الكويت الأول للكتاب، دارت الأرض دورتها الكبيرة ومعها دار العالم والإنسان، فلا كويت 2011 هي كويت 1975، ولا أهل الفكر والأدب والثقافة هم أنفسهم، ولا المحيط الخليجي ولا العربي ولا العالمي. كل شيء تغيّر، وكل شيء يفرض علينا تغيّراً مستحقاً يليق باللحظة التي نحيا.إن كتابات الروائيين والقصاصين المجنحة والخيالية حملت على الدوام أفكاراً متقدمة على عصورهم، لكن هذه الأفكار لعبت دوراً هاماً في شحذ مخيلة العلماء والمخترعين، لتدفع بهم إلى مزيد من البحث العلمي الجاد بغية تحقيقها. حتى استحق العصر الذي نحيا، بسبب هذه الاخترعات، أن يوصف بعصر ثورة المعلومات والاتصال ومحركات البحث، وعصر الصورة والإعلام العابر للقارات.إن زمناً نحيا به ما عاد يحتمل برقعة الأمور ببراقع سوداء لا تتناسب وضياء العصر. ففضاء مفتوح، وشراء كتب عن طريق مواقع الإنترنت، ما عاد يتناسب مع الرقابة، والرقابة العمياء تحديداً. لا أحد ينادي بالفوضى، ولا أحد يرضى بالتعرض للذات الإلهية، أو مس الأديان، أو بث الفرقة الاجتماعية البغيضة، لكن الكلام، كل الكلام، ينصب على رقابة بائسة تطارد رواية أو ديوان شعر أو مجموعة قصصية أو مسرحية وردت فيها كلمة هنا، أو تشبيه هناك، سواء كان ذلك تلميحاً أو تصريحاً.لقد باتت الرقابة الكريهة تلاحق سمعة معرض الكويت للكتاب وتسيء إليه، وهناك خلط كبير بين المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كمنظم للمعرض، وبين إدارة الرقابة التابعة لوزارة الإعلام، فالكتب المشاركة في المعرض تمرّ على إدارة الرقابة، لكي يُجاز تداولها في المعرض، وإذا ما أخذ بعين الاعتبار أن عدد الدولة المشاركة في المعرض السادس والثلاثين للكتاب، الذي سيفتتح صباح غد الأربعاء، بلغ 22 دولة، وبمشاركة 518 دار نشر، وأن إجمالي عدد الكتب الحديثة، وهي إصدارات (2009-2011)، بلغ نحو 10517 عنواناً، فإنه يبدو واضحاً العبء الكبير الملقى على عاتق إدارة الرقابة، في قراءة محتوى جميع هذه الكتب والتمعن والبت في صلاحية إجازتها، وهنا يبرز السؤال الكبير المستحق: لماذا الرقابة؟ ولماذا الرقابة على معرض الكويت للكتاب تحديداً، في وقت تخلت معظم الدول العربية، إن لم نقل جميعها عن الرقابة على معارض الكتب؟حين خطّ "مسيعيد بن أحمد بن مساعد بن عبدالله بن سالم، في جزيرة فيلكا عام 1682، موطأ الإمام مالك، كان يقول إن الثقافة شأن يومي لأهل الكويت يقترن بوجودهم على هذه الأرض، وحين قرر رجال أجلاء مجتمعون في ديوانية العلامة يوسف بن عيسى القناعي، إنشاء أول مدرسة نظامية في الكويت عام 1911، كانوا يعترفون بدور الأدب والعلم النظامي في حياة المواطن الكويتي. وحين قرر عبدالعزيز الرشيد كتابة "تاريخ الكويت" عام 1928، فإنه كان يرسم مثالاً حياً للمبادرة الثقافية الجليلة والجريئة.الكويت، عُرفت في محيطها الخليجي والعربي كرائدة للمبادرات الثقافية والفنية، وواحدة من المنارات الثقافية العربية التي تقدم زادها المعرفي والثقافي لقراء الضاد أينما كانوا، وهذا مجتمعاً وغيره كثير يقول إن الوقت قد حان للتخلي عن الرقابة البائسة، رقابة تلاحق الكتاب وتسيء لسمعة الكويت الثقافية.
توابل
معرض الكويت للكتاب!
18-10-2011