في الندوة الثقافية لمهرجان القرين الثقافي الثامن عشر، التي جرت خلال الفترة من 10-12 يناير الجاري، وكان عنوانها (الواقع العربي الجديد: تأصيل واستشراف)، وحضرها عددٌ كبيرٌ من المفكرين والكتّاب والأدباء والنقاد والإعلاميين والصحافيين من داخل الكويت وخارجها. توزعت جلسات الندوة بواقع جلستين صباحيتين وجلستين مسائيتين لكل يوم، وبمجمل اثنتي عشرة جلسة، وستة وثلاثين متحدثاً، وعشرات المعقبين. وإذا كانت مواضيع الجلسات قد تباينت بين الثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، فإن السؤال الكبير الذي ظل حاضراً في كل الأبحاث والتعقيبات هو:

Ad

"ما الذي ينتظر الشعوب العربية في القادم من الأيام".

وإذا كان الباحثون والمعقبون قد توزعوا بين متشائم ومتفائل بما هو آت، فلقد اتفق الجميع على أمرين، الأول: بروز وتسيّد التيار الديني للمشهد السياسي. والثاني: صعوبة تقديم إجابة واضحة ودقيقة لتوصيف ما هو آت، نظراً إلى تعقّد الظرف السياسي في مختلف الأقطار العربية، وتداخل العسكري مع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، وصلة ذلك كله بالداخل الشعبي المشتعل والمتحرك والضاغط، والخارجي المهتم والمراقب والمشارك بشكل أو بآخر.

اتفق الحضور على أن العالم العربي بانتفاضات وثورات ما بات يُعرف بـ"الربيع العربي"، يجتاز منعطفاً تاريخياً حاداً وكبيراً، وربما كان واحداً من أهم المنعطفات التي قُدر لأقطار الوطن العربي أن تمرّ بها، وأن فضيلة الانتفاضات والثورات الشعبية العربية السلمية الأهم، أنها أنهت حقبة الحكم الفردي الدكتاتوري، وأنها كسرت حاجز الخوف لدى المواطن العربي، وأوضحت للقاصي والداني، علاقة المواطن العربي بالحرية والديمقراطية وعشقه للكرامة واستعداده للتضحية بحياته في سبيلها.

إن الملاحظة الأهم بالنسبة للثورات العربية، هو تخلقها في رؤوس وفكر ومخيلة وأحلام وتصميم الشباب العربي، قبل انتقالها إلى أرض الواقع، وأن هذا الفكر والتصميم استخدم شبكات التواصل الاجتماعي كوسيلة لتنسيق تحركه ولمّ شتاته، وبالتالي تبقى الإشارة إلى اعتماد الثورات العربية على شبكات التواصل الاجتماعي قاصرة وجاحدة بحق الشباب العربي إن هي لم تذكر أن هذا الاعتماد جاء نتيجة تطور وفهم الشباب العربي لمحتوى ثورة المعلومات وتفاعله واشتغاله بوسائل التقنية الحديثة بدءاً من الكومبيوتر مروراً بمحركات البحث على شبكة الانترنت وانتهاء بشبكات التواصل الاجتماعي.

وبالتالي لا يمكن اعتبار شبكات التواصل الاجتماعي محركاً للثورات العربية، دون الإشارة إلى تطور وعصرية فكر الشباب العربي، ووعيه بقدرة هذه الشبكات على إحداث التغيير.

وإذا كان اشتغال الشباب العربي، في طول وعرض الأقطار العربية، واتصاله عبر شبكة الانترنت قد سهل من نقل أفكاره ورؤاه وشعاراته، وأوجد شيئاً من اللحمة العربية الجميلة في عموم الثورات، وانتقال شعاراتها وتعويذاتها بين قطر وآخر، فلقد بدا لافتاً اعتماد الندوة على الأسماء المكرسة من المفكرين والباحثين، دون الاستعانة بشباب الثورات، وكان لافتاً أيضاً غياب الشباب الكويتي التام، أدباء وكتّابا وفنانين ومثقفين عن جلسات الندوة. وكم بدا ذلك محزناً بشكل شخصي بالنسبة لي.

لقد أعادت الانتفاضات والثورات العربية، ثقة الشعوب العربية بأبنائها الشباب، وأثبتت لهم كذب النظريات والتقولات بأن الشباب العربي شباب ضائع لا يدرك من الحياة إلا اللهو واللعب، بل ان مجريات الأحداث أثبتت أن الشباب العربي في اللب من هموم وطنه، وفي الوجع وفي الاستعداد المطلق للتضحية بدمه وحياته في سبيل كرامة وحرية ومستقبل وطنه. لذا فإن غياب الشباب الكويتي الكبير واللافت عن ندوة مهرجان القرين يستحق الوقوف أمامه، والسؤال عن السبب وراء ذلك. فأحد أهم ما ترمي إليه ندوة المهرجان هو إتاحة الفرصة للشباب الكويتي للاحتكاك بالفكر والثقافة والإبداع العربي، ومدّ جسور من الصداقة والتواصل مع الشقيق العربي.