وحيداً أنزّه جرحي
أحبينيلأنه من دونك
لا شيء بعدلا شيء أكونأذهب متسولاً كفأر الكنيسة* بول فيرلينيستقي الباحث والمترجم رضى القاعوري عنوان مجموعته المترجمة "وحيدا أنزه جرحي" من قصيدة للشاعر الفرنسي بول فيرين، بعنوان "نزهة عاطفية": "بين صف الصفصاف، حيث كنت أشرد وحيداأنزّه جرحي،ووشاح الظلمات الكثيف يغرق أشعة الغروب الرفيعة في موجاته الشاحبة"تحوي هذه المجموعة بين طياتها مختارات لخمسة من كبار شعراء فرنسا، ولدوا وماتوا في القرن التاسع عشر، وهم: بول فيرلين والفريد دي موسيه وجيرار دي نرفال وآرثر رامبو وستيفان مالارميه. وبالنظر إلى الحقبة الزمنية التي عاش فيها هؤلاء الشعراء، ومعطيات البيئتين الثقافية والاجتماعية ندرك أننا نتحدث عن مرحلة رومانسية بلا منازع، نقول ذلك رغم احترامنا للإشارات الرمزية الواردة من بين ثنايا الكلمات، ويصعب كثيرا الفصل القاطع بين مرحلتي الرومانسية والرمزية، إذا كان الحديث عن أواسط القرن التاسع عشر في أوروبا، هذه المرحلة التي يصفها القاعوري بأنها ثرية وتمثل قمة العطاء الأدبي في القارة العجوز.تتداخل الرومانسية في منجزها الإبداعي مع الرمزية، بل إن كثيرا من الشعراء الرومانسيين أنفسهم تحولوا إلى مبشرين بالرمزية، فنفحات الحزن، وألم العاطفة، والحب الغارق في أشجانه، كلها سمات تميز قصائد هذه المرحلة، وتحديدا الشعراء الخمسة المترجم لهم في هذه المجموعة.يعتمد المترجم الزميل رضى القاعوري كثيرا على حسه الفني، الذي يمكنني وصفه بالمرهف، فهذه هي التجربة الثانية التي أجدها متوائمة ومنسجمة من حيث الاختيار، وكذا لغة القصائد وأجواؤها، ذلك بعد تجربته الأولى مع كتاب "لنحب دائما... لنحب أبدا" وهو مختارات مترجمة من الشعر الفرنسي، لفيكتور هيغو وشارل بودلير وجاك بريفير، الكتاب صادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون، ووجد صدى طيبا، وإقبالا من القراء.يتضح من هذا أن الشعر الفرنسي المعاصر هو الأرض الخصبة التي يفضل القاعوري اللعب فيها، وممارسة هوايته في تأمل القصائد وقراءتها والاستمتاع بها. وهذه الخصلة الأخيرة "الاستمتاع" بالقراءة، والتأمل اللذيذ هي ما تسعى إليه المجموعة المترجمة، والمنشورة أخيرا عن الدار العربية للعلوم ناشرون، وكذلك عن مطابع القبس، ووزع مجانا مع الصحيفة.لا يسهب المترجم كثيرا في حياة الشعراء، ولا يغوص متبحرا في المرحلة الزمنية للقصائد، بمعنى أن الكتاب خال من الدراسة والتحليل، بل هو قصائد وجدانية مرسلة، ومتروكة لذوق القارئ، ولعل ذلك ما يجعلنا نقترح على القاعوري تخصيص ترجمة أخرى لبعض الدراسات الواردة في هذه المرحلة تحديدا "منتصف القرن التاسع عشر". وهو عمل ربما يكون مضنيا، ومرهقا من الناحية الذهنية، إلا أن المكتبة العربية بحاجة إلى مثل هذه الدراسات، بل إن ما رشح منها قديم، ولا يكاد يتجاوز الشاعرين فيكتور هيغو وشارل بودلير، لما لهما من مكانة وسمعة، ويندر أن نجد ترجمات حديثة لدراسات أدبية ونقدية عن العطاء الإبداعي الأوروبي في القرن التاسع عشر، وهي مرحلة شهدت ازدهارا ليس في الشعر فحسب، بل في السرد والتشكيل، وارتفعت وتيرة النقاش عن المدارس الأدبية، والحدود الفاصلة بينها، بل إن أوروبا ذاتها كانت تعيش مرحلة الانتقال نحو آلة الصناعة الحديثة، وندرك كم مسّت هذه الآلة وجدان الإنسان، وأحدث العلم شرخا كبيرا في بعض المسلمات التي كانت تروج لها الكنيسة آنذاك.وفي القصائد المترجمة من هذه المجموعة إشارات كثيرة عن صراع الإنسان مع ذاته، ودور الكنيسة، والتنزه العاطفي في الحقول، وما تشيعه الطبيعة ومظاهرها في النفس من مشاعر وأحاسيس.