تختلف وجهات النظر من شخص إلى آخر، ومن ثقافة إلى أخرى, وما يعنيني هنا هو ثقافتنا العربية, فإن براءة اختراع نظرة التشاؤم باعتقادي هي من نصيب هذه الثقافة، ومن إبداعات كتابنا العرب, فحين تمت صفقة "حماس" باستبدال الجندي شاليط بـ1027 معتقلا فلسطينيا خرجت الأقلام لتصفها بأنها جعلت العربي رخيصا مقابل الجندي الإسرائيلي.

Ad

ولعل الكاتب العربي لم يستوعب إلى الآن أن المواطن العربي رخيص منذ قرون في نظرهم، فكم من المجازر مضت؟ ففي العراق وحده نشرت جريدة "لانست" الطبية البريطانية: أن 655 ألف عراقي قتلوا منذ 2003 إلى 2006 فقط!

وكم في فلسطين وأفغانستان؟ وكم من أسرة ستحتفل اليوم بعودة أسير لتمشي بعد أشهر في تشييع جنازته؟! ألم تصل المعلومة إلا عندما شرحت لهم، كالأمثلة التي تطبق في مراحل الصفوف الابتدائية (تفاحة مقابل 1027 تفاحة)!

كثيرا ما تكتب عبارة "ما بين السطور"، وفي اعتقادي أنهم لم يفقهوا السطور لكي يكتشفوا ما بينها, ولو كانت صفقة الجندي شاليط معكوسة، وكانت الصفقة عبارة عن جندي فلسطيني مقابل 1027 جنديا إسرائيليا لأمطرت السماء بأقلامهم حبراً أسود اللون؛ لتجد أحدهم يصف الفلسطينيين بالجهل والتخلف، وبأنهم بحاجة إلى مراجعة منهج الرياضيات مرة أخرى، وسيأتي آخر ليصف الصفقة بالفاشلة، وبأن الغرب دوماً يستغلوننا نحن العرب، وتلك الصفة أكبر مثال على استغلالهم لنا ولجهلنا!

وربما ستجد حبرا من اللون الأحمر الذي سيعاتب "حماس" على هذا الفعل، ويدعوها إلى التضحية بدم الجندي الفلسطيني أفضل من صفقة الاستبدال!

الحقائق ثابتة مهما لوثتها أحبارهم، فالصفقة ناجحة بجميع المعايير، وإن دلت فإنها ستدل على مفاوضات تكللت بالنجاح الباهر والساحق للفلسطينيين, ولو استطاع تاجر أن يبيع سلعته التي كلفته دينارا واحدا بـ1000 دينار، فحتما ستصفه بالماهر وربما بالجشع.

نعم، صفقة شاليط ليست ناجحة فقط بل جشعة جدا، ولا أستغرب قبول إسرائيل تلك الصفقة، وربما أنهم يعتبرونها صفقة ناجحة؛  لأنهم يعلمون أن من السهل أسر 1027 أسيرا مرة أخرى، ومن المستعصي جدا أسر شاليط مرة أخرى على يد الفلسطينيين.