لا يعيب الانتفاضة الشعبية السورية أن تتكاثر مؤتمراتها ومجالسها في الخارج، ولا يعتبر مثلباً عليها أن تتأخر في فرز قيادة موحدة لها تتحدث باسمها وتمثلها وتتولى الإشراف على عملها الميداني وعلى برامجها ومنطلقاتها فالكل يعرف, إلا الذين يعانون حَوَلاً سياسياً يمنعهم من رؤية الأمور على حقائقها, أن هذه الانتفاضة انطلقت في ظروف استثنائية وأن سورية منذ نحو نصف قرن تعيش ظروفاً استثنائية، ولذلك فإنه طبيعيٌ جداً أن تكون البداية على هذا النحو وبهذه الطريقة.

Ad

ما كان ممكناً إلا أن تكون هذه الانتفاضة هبَّة شعبية قريبة من العفوية وأن تأخذ، بعد استقطاب كل القوى المشاركة فيها, بتأطير نفسها وتوحيد قياداتها في ظل ظروف غاية في الصعوبة والدقة فالنظام لجأ ومنذ اللحظة الأولى إلى الحلول العسكرية والقوة الغاشمة وهو لم يتردد في انتزاع حنجرة شاب صغير ثم رميه في نهر العاصي لأنه غنى لشعبه، ولأنه ردد أهازيج مظاهراتية ضد رموز سلطة متسلطة وقمعية.

وأيضاً فإنه أمر طبيعي جداً أن يكون هناك أكثر من توجُّهٍ وتيار في الخارج فالقمع المتواصل، قبل مذبحة حماة الشهيرة في عام 1982 وبعدها, دفع أجيالاً إلى مغادرة بلادهم واللجوء إلى الخارج للعيش سنوات طويلة في دول مختلفة المشارب والتكونات الاجتماعية والسياسية مما كان له تأثيرات متعددة على تكوُّن وعيهم السياسي وعلى طرق التعاطي مع هذه الانتفاضة الباسلة التي فاجأتهم كما فاجأت النظام وفاجأت نفسها والعالم بأسره.

وبهذا، فإنه ليس عيباً ولا عاراً أن تنعقد كل هذه المؤتمرات في تركيا وفي غيرها، وأن تَصْدُر بيانات مختلفة، وأن تكون هناك وجهات نظر متعددة، فالبدايات بالنسبة لحركات الشعوب تبدأ هكذا ثم لا تلبث عمليات الاستقطاب أن تضع الجميع في مسار عام واحد عنوانه توظيف التعارضات من أجل التصدي للتناقضات، وتغليب متطلبات الهدف العام على النزعات الفردية، وهذا هو ما يحصل الآن بالنسبة للثورة السورية التي بات واضحاً أنها قد انتقلت من العفوية إلى التنظيم والانضباط، وفقاً لخريطة طريق تؤكد مجريات الأعمال الميدانية اليومية أن وراءها قيادة واعية وحكيمة ولديها القدرة على الإبداع والتعامل مع متطلبات مواجهة نظام لا يعرف إلا القتل والدمار بقدرة فائقة.

في كل يوم تزداد هذه الثورة قوة واقتداراً، وفي كل يوم تُثبتُ أنها غدت تمثل مستقبل سورية والشعب السوري وكذلك وفي كل يوم يثْبُتُ أن «الدم يغلب السيف» وأن استشراس النظام يدل على أنه بات يشعر بأن نهايته غدت قريبة، وأنه لا يصح إلّا الصحيح، والصحيح أن شعباً كسر حواجز الخوف وعلى هذا النحو المثير للإعجاب منتـصر لا محالة.

ستتحد كل هذه القوى التي تواصل عقد مؤتمراتها ليس في حزبٍ واحد وإنما في جبهة وطنية عريضة تضم كل صاحب رأي، ما دام يأتي رأيه في الإطار الوطني العام، وهذا ما كانت فعلته الفصائل الفلسطينية التي تجاوز عددها في بعض المراحل العشرين تنظيماً، عندما اختارت بمعظمها الانضواء تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية.