علّق أحد الأصدقاء القراء على مقال الأسبوع الماضي قائلا "سبحان مغير الأحوال هل أصبح ميدان التحرير تهمة؟"، ورغم قسوة التعليق وما يحمله من اتهام باطني بأن المقال وصاحبه ضد ميدان التحرير– خلافا للواقع والحقيقة- فإنني إيمانا بحق النقد وحسن النية للقراء جميعا أوضح: ميدان التحرير شرف لكل مصري، وفخر له أن ينتسب إلى ذات البلد الموجود فيه ذلك الميدان، الذي أصبح رمزا للبطولة والاستشهاد، ومثلا للتضحية والفداء، بل "أيقونة" للثوار في كل مكان، وبالتأكيد المعني بالميدان من فيه:
"وما حب الديار ملكن قلبيولكن حب من سكن الديارا"إن أكبر خطأ يقع فيه الإنسان وأسوأ عيب يتصف به أن يظل أسيرا لعمل قام به أو فضل قدمه أو خدمة أداها؛ لذلك يقول الله سبحانه في قرآنه العزيز: "قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى..." وقال بعض المفسرين إن المقصود بكلمة "أذى" التفضل والمنّة، ولو توسعنا في المفهوم المادي الضيق للصدقة "الكلمة الطيبة صدقة"، "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، وأطلقناها على كل قول أو فعل يقوم به الإنسان فيه خير لغيره، وإيثار له وتضحية من أجله، فأن يظل الإنسان دائرا في فلك ما قدمه وقام به مرددا له مذكرا به في كل وقت فهذا كله يفقده قيمته ويخرج به عن صوابه.لقد قام الشباب والثوار بالثورة، ولهم في ذلك كل الفضل والسبق، قاموا بعمل لو تم وزنه بميزان الصدقة لرجح على كل الأعمال دون استثناء، فالخلاص من حاكم ظالم، ونظام فاسد، وقهر وظلم وخراب للوطن... إلخ. كل ذلك لا يمكن تقديره أو مقارنته بأي فعل آخر، ولهم كل التقدير والحب من الشعب المصري كله، ولكن أن يظل الثوار أسرى لهذا الفعل لا يخرجون من دائرته معتقدين أن هذه الثورة تمنحهم فضلا يضعهم في مكانة تسمح لهم أن يفرضوا رأيهم بالقوة وفكرهم بالضغط، فهذا هو الخطأ الأكبر الذي وقعوا فيه.نجحت الثورة في خلع الرئيس وإلغاء التوريث والقضاء على تزييف الانتخابات وفساد الوزراء ورجال الأعمال، وتمت انتخابات نزيهة وجاء مجلس شعب منتخب بإرادة شعبية خالصة يمثل الشعب بجميع طوائفه وتياراته الفكرية، نعم جاءت النتيجة على خلاف هوى البعض من الثوار ولكن هذا اختيار الشعب وقراره، ويجب أن يُحترم مهما كان ما قدمتموه وما قمتم به.المشكلة الرئيسة التي تواجه الثوار هي مواجهتهم لأنفسهم وصدقهم معها، وكما قال رسولنا الكريم "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"... نعم المجلس العسكري مسؤول عن كل الأخطاء والجرائم التي حدثت طوال العام الماضي. نعم المجلس العسكري مثال للغباء السياسي، نعم الأغلبية التي نجحت مثال للنفاق السياسي... كل ذلك صحيح لكنه أيضا اختيار الشعب وقراره (بموافقته على التعديل الدستوري في مارس واختياره لنوابه في نوفمبر)، فيجب أن تُحترم إرادة الشعب، ويصبح من حق مجلس الشعب وواجبه– في ذات الوقت- أن يشرع ويقرر ويساعد من يحكم، وأن يخرج الثوار من دائرة الإحساس بالفضل كونهم من قاموا بالثورة.إن ميدان التحرير ليس صنماً نعبده، وشاغلوه ليسوا كهنة يمنحون صكوك الغفران وشهادات الوطنية لمن يريدون، بل هو روح نستلهمها وفكر نعتنقه، هو أملٌ في صدر كل مصري حاضرٌ يحبه ومستقبلٌ يتمناه.أتمنى أن يكون هذا توضيحا كافيا لقارئي العزيز، كما أتمنى أن يفهمه جيدا ثوار الميدان الذين نكنّ لهم كل تقدير رغم اختلافنا معهم أحيانا في بعض الآراء أو الوسائل التي تحقق الأهداف التي نتفق معهم عليها، وننشدها جميعا لمصرنا الغالية العزيزة. ورغم كل ما يحدث ورغم حقد الكثيرين الذين يحاولون النيل من مصر أقول ويردد معي كل مصري "لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا".
مقالات
ميدان التحرير ليس صنماً!
10-02-2012