إعلان الحكومة أن الانتخابات ستكون شفافية ونزيهة يعتبر كلاماً إنشائياً لا قيمة فعلية له على أرض الواقع ما لم تعلن الحكومة "بشفافية ونزاهة" كيفية تحقيق ذلك، إذ إنه ليس هناك حكومة في العالم قاطبة تقول إن الانتخابات التي تشرف عليها ستكون غير شفافة وغير نزيهة، لكن ما يحدد نزاهة الانتخابات وشفافيتها هو الكيفية أو الآليات التي تجرى من خلالها الانتخابات العامة.

Ad

في الدول الديمقراطية الحقيقية، على سبيل المثال، تكون الانتخابات شفافة ونزيهة من خلال كف يد الحكومة عن التدخل فيها أو الإشراف عليها، إذ تقوم هيئة (مفوضية) مستقلة تابعة للسلطة القضائية مباشرة بتولي شؤون الانتخابات كافة بدءاً من التسجيل في القيد الانتخابي، ووصولاً إلى تلقي الطعون الانتخابية، ومرورا بالإشراف المباشر على الحملات الانتخابية من بدايتها حتى نهايتها.

ويشمل ذلك تحديد سقف أعلى مكشوف للصرف على الانتخابات، وتوفير فرص إعلامية متكافئة للمرشحين، والإعلان عن النتائج التفصيلية للانتخابات بكل شفافية وحيادية، وليس كما حصل في انتخابات 2008 و2009 حيث لم تعلن النتائج التفصيلية حتى الآن، بل كان الاختلاف واضحا ومفضوحا بين الأرقام المعلنة نتيجة للطعون الانتخابية التي قُدمت عام 2008 في الدائرة الرابعة وما أعلن كنتيجة رسمية في يوم الانتخابات.

أضف إلى ذلك أنه يحق للهيئة (المفوضية) السماح لمراقبين خارجيين من جهات دولية مختلفة بعضها تابع للأمم المتحدة لمراقبة الانتخابات العامة وكتابة تقاريرها بشكل محايد، وهو ما يمنع التدخل المباشر للحكومة أو لأصحاب المال والنفوذ في الانتخابات، وهذا مع الأسف الشديد غير متوافر لدينا... فكيف ستكون الانتخابات شفافة ونزيهة؟

من ناحية أخرى، بات معروفاً للجميع أن 18 نائباً سابقاً قد قدمت البنوك بحقهم بلاغات للنائب العام وقدم البنك المركزي تقريره بهذا الخصوص، رغم ذلك لم يتم حتى الآن استدعاؤهم للتحقيق، بل لم تصدر أي معلومات رسمية حول هذه القضية سواء من قبل الحكومة أو من قبل النائب العام، وإذا ما عرفنا أن الغالبية العظمى منهم قد أعلنوا نيتهم الترشح للانتخابات، وهو الأمر الذي يعني استخدامهم جزءاً كبيراً من "أرصدتهم المليونية" "لتبييض" سمعتهم بعد النجاح في الانتخابات العامة، إذ إنهم سيدَّعون، زوراً وبهتاناً، أنهم قد حصلوا على "ثقة" الشعب، فهل تعتبر الانتخابات، في هذه الحالة، شفافة ونزيهة؟!

بالإضافة إلى ذلك كيف ستكون الانتخابات القادمة شفافة ونزيهة ما لم تقم الحكومة، بالحماس ذاته الذي تبديه ناحية الانتخابات الفرعية أو "التشاوريات" القبلية المجرّمة قانوناً، بمنع "التصفيات" أو "التشاوريات" أو "تحديد القوائم" أو أي شكل آخر فئوي أو طائفي يجري ترتيبه الآن في المناطق الانتخابية الثلاث الأولى، رغم أن القانون ينطبق عليها أيضا بغض النظر عن الشكل أو الطريقة التي تتخذها؟ ألا يعتبر ذلك انتقائية في تطبيق القانون تخل بشكل واضح بنزاهة الانتخابات وشفافيتها وعدالتها؟

قصارى القول إن الحديث عن شفافية الانتخابات ونزاهتها هو كلام إنشائي مكرور ما لم تعلن الحكومة بشفافية عن إجراءات محددة وآليات دقيقة وواضحة لتحقيق ذلك.