نحتفل هذه الأيام بالذكرى التاسعة والأربعين لصدور الدستور الذي كان ثمرة توافق وطني حول كيفية إدارة شؤون الدولة والمجتمع، ولعله مما يلفت النظر أن الجميع تقريبا، وعلى رأسهم الحكومة وأعضاء مجلس الأمة، يدّعون احترامهم لهذه المناسبة ويدبجون التصريحات الإعلامية التي يذكرون فيها أن الدستور خط أحمر يجب احترامه والمحافظة عليه.

Ad

لكن أيا منهم لم يقل كيف يكون ذلك، خصوصا إذا ما عرفنا أن الحكومة والمجلس هما اللذان يخالفان الدستور جهارا نهارا مع أنه من المفترض أن يكونا أول من يحترمه ويحافظ عليه ويطبقه، بل يحاسب من يخالفه وينتهكه؟

وهنا فإننا لا نحتاج إلى الكثير من العناء لكي نبين كيف أن الحكومة لا تطبق الدستور، إذ إن الأمثلة أكثر مما يحصى ويعد، لكننا سنكتفي هنا بالإشارة إلى مثالين فقط هما: أولا اعتداء القوات الأمنية على نواب الأمة والمواطنين بالضرب والسحل في ديوان النائب الحربش في مثل هذه الأيام تقريبا من العام الماضي، وهو ما يعتبر تعديا سافرا على ممثلي الأمة وعلى المواطنين الأبرياء الذين كانوا يعبرون عن رأيهم، ولم يخالفوا الدستور وقوانين الدولة، وبالذات قانون التجمعات، وحتى الآن لم تعتذر الحكومة ولم تحاسب من قام بذلك الفعل المخالف للدستور.

ثانيا: المحاولات المتكررة من قبل الحكومة للالتفاف على الأدوات الدستورية و"خلع الأنياب" الرقابية للمؤسسة الدستورية الممثلة بمجلس الأمة مما سيحوله إلى مجلس صوري مخالف للدستور شبيه بمجالس الشورى الخليجية التي لا تتعدى كونها مجالس استشارية ليس لها دور رقابي أو تشريعي. أما عدم تطبيق أعضاء المجلس للدستور ومخالفة بعضهم لمواده بشكل صريح فحدّث ولا حرج، إذ يكفي أن نشير هنا إلى مثالين فقط: أولهما القانون الصادر عن مجلس الأمة الذي يحضر ترشيح المواطن المسيحي لمجلس الأمة بالمخالفة الصارخة للمادة (29) من الدستور.

وثانيهما هو أن أغلب الأعضاء قد وصل إلى المجلس عن طريق انتخابات فرعية قبلية أو طائفية أو فئوية، وهو ما يتناقض مع نصوص الدستور وروحه ويخالف قوانين الدولة، بل إن ثلث الأعضاء الحاليين متهمون بذممهم المالية في فضيحة "الإيداعات والتحويلات المليوينة"، وهو ما يتناقض مع القسم الدستوري الذي أداه الأعضاء في بداية الفصل التشريعي.

ما العمل؟

نحتاج إلى مبادرة سريعة لإصلاح سياسي جذري وشامل ينطلق من الأسس والأطر الدستورية قبل أن يفقد الدستور معناه، ويضحي حبرا على ورق لا قيمة له إطلاقا، حينذاك ستتحول مؤسسات الدولة الدستورية إلى مؤسسات شكلية لا دور لها سوى إضفاء "المشروعية" المزيفة على الأعمال غير الدستورية، وتحولنا إلى دولة فاشلة لا يسود فيها القانون ولا تتحقق فيها العدالة الاجتماعية مثلما كان الوضع في مصر وفي تونس قبل ثورات الربيع العربي.

***

نافذة: الحكومة تصرح، وهي محقة، باحتمال إفلاس الدولة لكنها تتصرف وكأنها لا حول لها ولا قوة رغم أنها هي وحدها المسؤولة عن رسم وإدارة السياسة المالية للدولة. على الجانب الآخر فإنه يتعين على من يريد، وبصدق، وقف استنزاف المال عدم التوقف عند موضوع "الكوادر" الوظيفية فقط لأن الهدر والاستنزاف بمنزلة "سياسة عامة" للأسف الشديد، ويشمل قضايا كثيرة أيضا منها التعدي على أملاك الدولة وأراضيها والمناقصات المشبوهة وسرقات المال العام واستخدامه لتخريب نظامنا الديمقراطي، وغيرها الكثير من أشكال هدر المال العام.