كل هذه التحركات والمؤتمرات التي تقوم بها وتعقدها المعارضة السورية الخارجية ستبقى بمنزلة القفز في الهواء في المكان ذاته، إنْ هي لم ترتقِ بأدائها وتتحول إلى صدى فاعل لما يجري في الداخل، ففي سورية على مدى كل هذه السنوات الطويلة منذ أن أفرزت الانقلابات العسكرية المتلاحقة، وآخرها انقلاب حافظ الأسد على رفاقه الذي أعطي اسماً مخادعاً هو: «الحركة التصحيحية»، أنظمة استبدادية، كل نظام يضع رموزاً سابقة في السجون والزنازين ويشردهم بعيداً عن وطنهم ليبقوا في المنافي يجترون ألم الغربة وتتقطع بهم السبل ويحلمون بالعودة إلى وطنهم ذات يوم قريب.

Ad

لم تُحقَّقْ أي انجاز كل هذه المؤتمرات من مؤتمر أنْطاليا إلى مؤتمر بروكسل إلى مؤتمر إسطنبول الأخير، فالبيانات في مثل هذه الأوضاع السورية الملتهبة لا تكفي، بل ولأن مصدريها يَظهرون أمام شعبهم، الذي يجترح المعجزات ويعيش حالة ثورية حقيقية، على أنهم متفرقون أيدي سبأ، فإن مخرجات مؤتمراتهم هذه تشكل عوامل سلبية على منْ هُم في الداخل، لأنها تجعل اليأس يتسرب إلى قلوب هؤلاء وتصيبهم بالإحباط وهم يواجهون كل هذا العنف الذي تمارسه سلطة مستبدة ضدهم.

لن تستطيع رموز هذه المعارضة الخارجية، الذين أيقظتهم هذه الثورة الشعبية من سبات عميق كانوا يغطون فيه، أن يفعلوا أي شيءٍ ميداني في الداخل، ولذلك فإن أفضل ما يمكن أن يقدموه إلى أبناء شعبهم العظيم هو تنبيه الرأي العام العالمي إلى أن هذا الشعب الذي لجأ إلى هذا الأسلوب من الاحتجاج، بعد أن وصلت سكاكين النظام إلى عظامه، يُذبَح في وضح النهار، وأن جماجم أطفاله تُسحق بجنازير الدبابات، وأن عصابات «الشبيحة» تقوم بما هو أسوأ مما كانت تقوم به فرق الموت في عهد ذلك الطاغية التاريخي بول بوت.

إن على المعارضة الخارجية أن تتفق على شيء واحد، هو تشكيل مجموعات إعلامية تنقل إلى الرأي العام العالمي الصورة الحقيقية لما يجري في سورية، وتنظيم مظاهرات واعتصامات في كل عواصم الدول الغربية لخلق رأي عام ضاغط على حكومات هذه الدول، لتكون جدية في التعاطي مع الذين يحكمون في دمشق، لحملهم على وقف كل هذا القمع الذي يتعرض له الشعب السوري، ووقف سفك الدماء، وإرسال ميليشيات النظام وفرقه الخاصة لتجتاح الأحياء ولتزرع الموت والرعب في كل مدينة وقرية.

لم تستطع أي معارضة خارجية، على مدى حقب التاريخ، أن تحقق أي انجازٍ فعلي لشعوبها إلا في حالات محدودة جداً، ومن بين هذه الحالات قيادة لينين لثورة روسيا القيصرية المتصاعدة من منافيه الأوروبية، وقيادة الإمام الخميني لثورة المعممين ضد نظام الشاه السابق محمد رضا بهلوي، ولعل ما هو معروف أن العمل الخارجي في كلتا الحالتين كان يستند إلى أوضاع تنظيمية مسيطرة، تمكنت بعد فترة إعداد استمرت سنوات، من التحكم في الرأي العام وقيادة الشارع في الاتجاه الذي تريده.