الثوار الليبيون في مدينة بنغازي حطموا تمثالا "للرئيس جمال عبدالناصر" في المدينة مصحوباً بشريط تسجيلي مصور وسط تكبير الحضور والتهليل وحشد من وسائل الإعلام كما جاء في الخبر.
هل هذا كل ما استطاع ثوار ليبيا أن يحققوا فيه انتصارا بينما البلاد مازالت مقسمة و"يتخبط ثوارها" في ضبابية شديدة يتحسسون مواضع أقدامهم بلا خبرة ولا حنكة سياسية تقود بلداً تم تدميره لسنوات طويلة على يد القائد الذي جثم على صدر ليبيا سنوات طغيانه.هل وصل الأمر بثوار ليبيا أن يكون "عبدالناصر" الكبير في كل شيء، الذي يسكن قلوب ملايين البشر ومن غير العرب، ووقف سنوات عمره في وجه الاستعمار ومخططاته، أن يتطاول عليه الصغار من جهلة الأمم؟إنه لعار للثوار والثورة أن يكون بينها من يحمل تفكيراً عقيماً وظلاميون ينحدرون ببلادهم إلى الدرك الأسفل بينما العالم من حولهم يمد لهم يده وطوق النجاة.هل التكبير وسط هذه الضوضاء التي رافقت تحطيم التمثال من ضروريات الإيمان والتقوى التي تنتشر بصورة غير منضبطة تتستر بالدين الحنيف؟ أم هي استكمال للصورة التي يريدونها أن تمس مشاعر الناس، وتضرب على الوتر الحساس في عقيدتهم ليبرروا فعلتهم؟سيبقى التاريخ شاهداً على هذه الفعلة النكراء التي لن تنقص من قيمة الرجل وآثاره الحميدة، بل ستزيد من رصيد "عبدالناصر" محبة في قلوب الناس في مماته كما في حياته.التمثال في حد ذاته ليس سوى "حجر" لن يعبده أحد، لكنه رمز للرجل الذي قاد الأمة العربية نحو النور وتخلص ورفاقه من الاستعمار وأعوانه في فترة تاريخية حاسمة.ويعلم الجميع أن هذا التمثال "لا يسمن ولا يغني من جوع"، لكنه يبقى رمزاً يستحث الهمم ومثلاً أعلى للأجيال إلا أولئك الذين توارثوا المفاهيم الخاطئة عن الثوار الحقيقيين في مراحل التاريخ العربي الذي يحتوي على الكثير من أسماء أصحاب الشرف النضالي.عبدالناصر لن تمحوه غوغاء من فئة تجهل معنى التضحية في سبيل الوطن، وهي فئة تبحث عن "من أين تؤكل الكتف"!الوضع في ليبيا "هش" والانقسام والتشرذم قادمان لا محالة إن كان هذا هو تفكير وحال القائمين على الثورة، وهم يسقطون أبسط قيم النضال التي يحتاجها الشعب بعد سنوات من "غسيل المخ" في عهد القائد البائد.القيم النضالية، هي إرث وجزء من تاريخ الأمم، فماذا يبقى لهذه الأمة إن كانت هذه هي البداية بعد أن نفذوا قوانينهم الخاصة تحت ستار "تحريم" أو عدم اعتراف بقيمة رجل مثل عبدالناصر أجمع الأعداء قبل الأصدقاء على أنه القائد الوحيد الذي احترموه رغم اختلافهم معه.لو عدنا بالذاكرة سنوات وتمعنّا كيف تم الاستفتاء على بقاء عبدالناصر قائداً لمصر بعد هزيمة يونيو 1967 وكيف تحمل بكل جرأة المسؤولية كاملة، وهو واحد من قيادة دولة كاملة؟!ولنتذكر استفتاءً آخر وهو يوم تشييع جنازته... هل رأى إنسان في العصر الحديث جنازة مهيبة مثل جنازة الرجل وحجمها؟!إن الشعب الذي رضي به مهزوماً ليكون قائداً لأصعب مرحلة في تاريخ الأمة العربية لم يكن غبياً بل كان مدركاً لخطورة المرحلة، وإن رجلاً غيره ما كان له أن يستطيع الخروج بالأمة من مأزق الهزيمة، بل إن الشعب المصري وثق بشخص الرجل وأعاد إليه الثقة كاملة، بل بشكل مطلق كي يخرج به من الهزيمة إلى بر الأمان.في جنازته خرجت جموع الشعب من أقصى الجنوب المصري إلى أقصى شماله تردد "يا جمال يا حبيب الملايين". كما خرجت الجماهير العربية من الخليج إلى المحيط بمن فيهم الشعب الليبي في مواكب تشييع رمزية تهتف باسمه، تترحم عليه... هل كان الشعب في حينه فاقداً للأهلية؟ارحموا أنفسكم أيها الثوار، وأعيدوا الأمور إلى نصابها فإن كنتم قادرين على تحطيم تمثال من الحجر فإنكم لن تكونوا قادرين على تحطيم محبة عبدالناصر في قلوب ملايين البشر.إنها بداية مخيفة تقود إلى المجهول، فلتكن ثوراتنا العربية ثورات عصرية وسلمية بقيمها التي تستمدها من قيمنا العريقة ولها خصوصيتها التي يستطيع العقلاء أن يعملوا بها لتصل إلى بر الأمان... فولّوا أموركم خياركم وعقلاءكم قبل فوات الأوان!* كندا
مقالات - اضافات
ولّوا أموركم خياركم قبل فوات الأوان!
03-03-2012