بشار الأسد... لا بدَّ مما ليس منه بدُّ!
الشتائم "المعيبة" التي واجه بها الناطقون باسم نظام بشار الأسد قرار مجلس الجامعة العربية الوزاري الأخير الذي يبدو أنه جاء مباغتاً لهم وغير متوقع، تدل على حجم الأزمة الخانقة التي يعيشها هذا النظام، وعلى أنه لم يستوعب حتى الآن كل الذي يجري في سورية وفي المنطقة، وأنه مستمر بالتعامل مع شعبه، وكأن الزمن متوقف عند بدايات ثمانينيات القرن الماضي عندما ذبح والده "حماة" من الوريد إلى الوريد، والعرب يتفرجون، والعالم صامت صمت أهل القبور.كان جهابذة هذا النظام، قبل صدور قرارات الجامعة العربية الأخيرة، يعتقدون أن العرب سيبقون يلوحون بقبضاتهم ولن يضربوا، وأنه سيستوعب ما جاء في مبادرتهم، وما سيأتي في أي مبادرة جديدة بالمناورات والألاعيب التي اعتادها في التعامل مع لبنان، ومع منظمة التحرير، والمقاومة الفلسطينية قبل أن "يهرب" ياسر عرفات بقراره "المستقل" إلى تونس بعد خروجه من بيروت، حيث بقي هناك محمياً بالبعد الجغرافي إلى أن أبرم مع الإسرائيليين اتفاقيات أوسلو، وعاد تلك العودة الميمونة إلى غزة والضفة الغربية.
لم يُدرك هذا النظام الغارق في الأوهام حتى أذنيه، أن اليوم غير الأمس، وأن هناك مستجدات قد أبطلت كل أرصدة الدجل السياسي التي كان يمتلكها ويستخدمها عربياً ودولياً باسم الممانعة والمقاومة، وأن بعض العرب الذين كان يبتزهم لم يعودوا كما كانوا، ومن ثم فإن لحظة الحساب قد حانت، وأنه لا بدَّ مما ليس منه بدُّ، وأن أجله قد حان، وأن الواقع العربي لم يعد هو الواقع السابق، وأن العالم ومعه الإقليم كله قد سئم التعامل معه وفقاً للسمسرات القديمة، وطرق الابتزاز الذي اعتادها على مدى العقود الأربعة الأخيرة، وأن هذا الذي يجري في بلده جدي، وأن نهاية كنهاية القذافي باتت قريبة. لم تعد المبادرة العربية قائمة ولا مطروحة، بعدما واجهها عباقرة هذا النظام بالمناورات والألاعيب الصبيانية المكشوفة، وأنهوها بالضربة القاضية منذ اللحظة الأولى، والآن وبعد هذه القرارات الحاسمة والجدية التي اتخذها المجلس الوزاري العربي بأغلبية تسع عشرة دولة من أصل اثنتين وعشرين أمس الأول، التي من المقرر أن ينتقل بها إلى الرباط في المملكة المغربية، فإن على بشار الأسد وأركان حكمه أن يتعاملوا بواقعية متناهية مع كل هذه التطورات، وأن يبادروا إلى التفاهم مع المعارضة على مرحلة انتقالية تفضي إلى انتخابات رئاسية وتشريعية تتحول سورية وفقاً لها إلى دولة ديمقراطية وتعددية، لا مكان فيها للحزب الواحد، ولا للقائد الأوحد، يتعايش كل أبنائها في إطار نظام عادل، لا امتيازات فيه لأي فئة على حساب الفئات الأخرى.لقد سبق السيف العذل، ولم يعد أمام هذا النظام، الذي لم يَبْقَ من نمطه في العالم كله إلاّ نظام كيم جونغ إيل في كوريا الشمالية، إلا أن يستسلم للواقع المستجد الذي سوف تتلاحق حلقاته خلال الأيام القليلة المقبلة، ويرتب أموره على أساس المغادرة والانسحاب، وعلى أساس الاكتفاء من الغنيمة بالإياب، وإما أن يواصل "المكابرة"، وأن يواصل الإصرار على استخدام العنف ضد شعبه فتكون نهايته في أحسن الأحوال كنهاية معمر القذافي، لأن بشار الأسد عند ذلك لن يجد في الوطن العربي ولا في العالم من يستقبله، بما في ذلك إيران التي لن تراهن بالتأكيد، هي أيضاً، على حصان خاسر.لن يفيد هذا النظام، الذي أصبحت أقدامه في دائرة النهاية، كل هذه الشتائم "المعيبة" فعلاً التي يوجهها للعرب، ويخص بها الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني الذي كان حتى الأمس القريب يُستقبل في مطار دمشق من قبل الرئيس بشار الأسد نفسه، وكل هذه الهجمات "البطولية" على السفارة السعودية والسفارة القطرية وسفارات بعض الدول الغربية.والحقيقة التي يجب أن يدركها أن عليه أن يُؤمِّن انسحابه والمغادرة بالتي هي أحسن، وإما أن "يركب رأسه" فيدفع سورية إلى الحرب الأهلية والتمزق، ومن ثم فإن نهايته لن تكون أفضل من نهاية صدام حسين ونهاية القذافي.