لماذا يفشل المثقف في البحث عن صوته حين يرتفع صوت الشعب؟
في الحالات التي يسيطر فيها حزب ما على الحراك السياسي في البلد تتبرع أقلام الحزب وأصوات أعضائه للدفاع عن مبادئه وأدبياته، وتبشر بالخير الذي سيعم العباد والبلاد من جراء تلك السيطرة، وفي أغلب الأحوال تبدأ الصورة دموية وقاتمة ولا يستطيع المثقف الفكاك منها فيتحول إلى عنصر من عناصرها وأداة من أدواتها. يستمر في الدفاع عن مبادئه الحزبية والقتال دونها وإلقاء اللوم على أعداء الحزب و"عملاء" الجهات الأجنبية، يسعى إلى تبرير ما تفعله السلطة الحزبية المنفردة بالقرار، وغالباً ما يكون التبرير المعلب هو أن الثورة تحتاج إلى اقتلاع جذور الفساد والرجعية والإمبريالية وبقية المسميات حتى تستقر وتقود البلاد إلى الخير والعطاء والنماء. يسكن الناس وتخفت أصواتهم إما خوفاً مما يحدث أو قناعة بانتظار ما سيأتي. وما يلي ذلك هو مزيد من الفساد ومزيد من المقابر مقابل المنازل ومزيد من السجون مقابل المدارس ومزيد من الموت مقابل الحياة.في الحالة العربية المذكورة أعلاه يجد المثقف أمامه طريقين لا ثالث لهما إما الانضواء تحت لواء الحزب الحاكم إلى الأبد أو الهروب من وطنه، والصمت هنا ليس خياراً لأنه يقع تحت مسمى معاداة الحزب ومناهضة مبادئه الخالدة. ما لم يتوقعه المثقف هو نهوض الشعب وارتفاع صوته عالياً دون تحريض منه وبعيداً عن سياق أدبياته التي عاشها ومارسها زمناً طويلاً هي عمر الحاكم الأب والابن. وفي مخاض الثورة الشعبية وتساقط أبنائها ونسائها يقف منتظراً ما سيلده هذا المخاض، فلا الشعب الثائر بحاجة إلى كلماته التي جاءت الثورة أساساً لنسفها والانقلاب عليها، ولا الوقت يمنحه الفرصة الكافية لقراءة مستقبل ما يحدث، فماذا لو دخل الثورة نصيراً لها وفشلت، وماذا لو تأخر عنها ونجحت. هو موقف محير بالتأكيد. وهو سبب الفشل الأول.حين نجحت الثورة في تونس لم تطرح أسماء مثقفي تونس ولا دورهم فيها، وربما كانت الثورة مباغتة لدرجة الدهشة، والثورة المصرية كانت نكسة كبيرة للمثقف ونجاح منقطع النظير للعامة، ومن يحاول ركوب موجتها الآن يعرفه الشعب ويميزه، أما الثورة الأكثر إرباكاً للمثقف العربي اليوم فهي الثورة السورية، فهي ثورة شعبية بالدرجة الأولى، وموقف المثقف منها موقف الواثق بفشلها، والراكن إلى هيبة النظام وقسوته التي جاءت نتيجة إرث طويل من الخوف من كلمة لا. الذي يطالبنا بألا نحمل مثقف الداخل أكثر مما يحتمل نرد عليه بكل بساطة، وماذا عن الشعب الذي يعتقل ويقتل ويواجه بصدره العاري الآلة العسكرية التي كان يمنحها قوته وعياله لتحميه، منذ متى كان حبر قلم المثقف أزكى من الدماء التي تسيل مطالبة بالحرية والديمقراطية والتعددية، وهي حقوق أقل ما يمكن أن نطلق عليها في القرن الحالي الحقوق البسيطة.في كثير من لقاءاتنا مع المثقف العربي كنا نسمع منه قصص اعتقاله ومطاردة السلطة له، ونصدقه، ولكننا فجأة نراه اليوم أقرب إلى مفتاح الزنزانة من حارسها، وأكثر قسوة على دماء الضحية من سكين جلادها. في حالة كهذه هل يمكن أن يتعذر علينا فهم أسباب فشل المثقف. ستنجح الثورة العربية في سورية ونحن بانتظار الأسماء التي ستخرج علينا وما ستطرحه على عقول أبناء الثورة من حديث قديم، ولكنها ستواجه عقولاً مختلفة، عقولاً صنعت ثورتها وليست بحاجة إلى شيء أكثر من الصمت، الصمت رجاء.
توابل
فشل المثقف
17-07-2011