لا أتصور أنه من المبكر اليوم أن نحاول رسم شكل المشهد السياسي المحلي القادم ولو بصورة مبدئية، وأعني بالقادم مرحلة ما بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة، وأقول هذا لأني أؤمن بأن المجلس المقبل لن يحمل غالباً الكثير من المفاجآت، بالنسبة إلي على الأقل، وذلك على صعيد طبيعة العمل.

Ad

نعم، صحيح أننا أمام نسبة من الوجوه الجديدة التي قد تدخل إلى الدائرة البرلمانية، وبالأخص من فئة الشباب، إلا أن هذا بحد ذاته غير كافٍ كي يوصلنا إلى مكان بعيد، بل سأصارحكم بأن فكرة أن المجلس القادم سيكون مجلساً "شبابياً" هي فكرة قد تم تحميلها أكثر مما تحتمل، وكأن مشكلة واقعنا السياسي السابق كانت مرتبطة بتقدم أعمار اللاعبين! دخول الشباب إلى البرلمان أمر طيب ولا شك، ولكنهم في نهاية المطاف ليسوا سوى أفراد متفرقين، يجب أن نعترف بأنهم، في أغلبهم، سيكونون جديدين على التعاطي مع اللعبة السياسية على هذا المستوى، ومدفوعين في ذات الوقت بحماس واندفاع الفترة السياسية الصاخبة القريبة الماضية، دون وجود رؤى واضحة ومتبلورة لأولويات، بل لما يجب عمله على الصعد المختلفة في المرحلة الحيوية المقبلة من عمر الكويت.

نضيف إلى هذا أن توجهات ونفسيات الناخبين تجاه المرشحين اليوم، تكشف لنا أيضاً أننا لن نكون أمام مجلس خارق للعادة في مجمله، بل الحقيقة التي يجب أن نعترف بها من هذه اللحظة هي أن اختيارات الناس، في الغالب أيضاً، ستكون كعهدها دائما، نابعة من مصالحهم الفردية والفئوية والطائفية، والتي هم سيظلون يبررون طبعاً أنها تأتي لخدمة الوطن في نهاية المطاف.

اختياري لابن طائفتي، أو لابن قبيلتي أو عشيرتي أو جماعتي، ليس بسبب هذه الروابط الفئوية والمذهبية والعرقية، بل لأني أراه الأفضل لخدمة الوطن... وهذا كلام يقوله الناس لأنفسهم، ليجدوا العذر لقيامهم بهذه الاختيارات وإصرارهم عليها، لأنهم مهما فعلوا فلن يستطيعوا التغلب على هذه الروابط التي تجذرت في داخل نفوسهم عبر السنوات، بل وجدت في الأحداث السياسية القريبة الماضية ما يزيدها تجذراً وثباتاً.

ابن طائفتي وابن قبيلتي وابن جماعتي، سيظل أفضل، مهما كان سيئاً، من ابن الطائفة والقبيلة والجماعة الأخرى، لأنه وبكل بساطة، لو نجح ابن الطائفة أو القبيلة أو الجماعة الأخرى في الوصول، فهذه "هزيمة" بشكل من الأشكال لطائفتي وقبيلتي وجماعتي. وهنا، وكما هو واضح، فمسألة اختيار الأفضل للوطن قد أصبحت في المقام الثاني.

لهذه الأسباب ولكثير غيرها، لا يتسع المجال للحديث عنها في هذا المقال، لا أعول كثيراً على مخرجات الانتخابات القادمة، لذلك أعتقد أن هذا الانشغال الكبير في تفصيلات الحدث الانتخابي بحد ذاته هو في الحقيقة على حساب الانشغال المفترض بتأسيس وصناعة وتكوين ما يحب أن يكون عليه الحراك الشعبي، الذي يفترض ألا يتوقف، في مرحلة ما بعد انتهاء الانتخابات وتشكل الحكومة القادمة.

نحن بحاجة كقوى شعبية، على اختلافها، إلى أن يكون بيدنا في هذه المرحلة تصور تفصيلي كامل، عما يجب أن تقوم به السلطتان، التشريعية والتنفيذية، على كل الصعد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأيضاً على صعيد البنى التحتية وغيرها، ليكون هو مسطرتنا التي نوجه من خلالها العمل، ونحكم عليه عند الانحراف، ونقيسه على ميزان النجاح والفشل.

إما أن نتجه إلى هذا، كقوى شعبية آن لها أن تدرك أهمية دورها في ظل هذا النظام السياسي المليء بالثغرات والثقوب، وإما أن نركن لما سيأتي والذي سيكون غالباً نسخة مكررة لما سبق، وسرعان ما سينشغل بصراعاته الجزئية والآنية، فينشغل المجلس بمصارعة نفسه ومصارعة الحكومة، ولن يصل شيء إلى أي شيء!

المرحلة القادمة بحاجة إلى عمل مختلف نوعاً وكماً، وفق رؤية مختلفة تماماً، تدرك أن ما كان في السابق كله كان يقوم على أساسات خاطئة، وأن مرات النجاحات التي كانت تصير، كانت نابعة من المصادفات لا أكثر، وهذه هي إجابة سؤال وماذا بعد؟