الداخلية ... بين الطمطمة و المرمطة !
سبحان مغير الأحوال! فقد عاشت الكويت مع أحداث مخفر بيان ساعات صاخبة وحبلى بالأحداث الدراماتيكية والقرارات المتقلبة خلال أيام العيد، انعكست فيها الإجراءات والقرارات رأساً على عقب، وكان نجم هذا العيد، وبلا منازع، وزير الداخلية في قدر مكتوب، أو ربما "حوبة" المغردين والمظلومين في دهاليز وزارة الداخلية وأجهزة الجذب المركزي فيها.ودون الدخول في أي تفاصيل لها من الخصوصية الشخصية، إلا أن أحداث مخفر بيان قد انقلبت معها موازين التحقيق والإجراءات القانونية وبقدرة قادر، وتحولت القضية من "الطمطمة" إلى "المرمطة" لبعض القياديين في هذا المرفق الأمني المفترض أن يكون صمام الأمان الأول للبشر، وفي سابقة فريدة خرجت وزارة الداخلية ببيان رسمي لتوضيح موقفها المعلن ولإطلاع العامة على جملة من الإجراءات، ولعل اللافت جداً في هذا البيان العبارة التالية: "لا أحد فوق القانون مهما كانت رتبته وأن كافة منتسبي وزارة الداخلية باعتبارهم المعنيين باحترام القانون وتنفيذه والالتزام به، فهم أول من سيطبق عليه إجراءات القانون وما ينص عليه من جزاءات حتى يطمئن الجميع إلى عدالة التطبيق وسرعة التنفيذ، التزاماً بمسؤولية الوزارة بهذا الشأن وبواجبها الأمني والأخلاقي".
وهذه العبارات وإن عبرت عن نكسة خطيرة لما يدور في بعض دهاليز وزارة الداخلية، ويلوح بالعصا الغليظة لرجال الأمن، فإن مثل هذا الشعار لا يمثل سوى حبر على ورق، فحالات "الطمطمة" في المخافر وفي إدارة التحقيقات وسياسة "شيّلني وأشيّلك" بدءاً بحوادث السيارات، وحتى إن بعض القضايا الجنائية بين بعض المسؤولين والقياديين الكبار متجذرة كعرف متفق عليه، وهناك حالات متنوعة للصراع الداخلي بين ما يطلق عليه الأميركيون GOOD COPS وBAD COPS، أو الشرطيون السيئون والشرطيون الصالحون.وقضية بيان لا يمكن الرهان عليها كأساس للإصلاح في وزارة الداخلية، لأنها لم تفلت من "الطمطمة" التي مورست وتم التخطيط لها، ولكن التحرك النيابي الشرس وتفاعل الصحافة والهجوم الكاسح من شباب "النت" كانت أهم العوامل التي قلبت الدنيا على رأس وزارة الداخلية، وزاد هذا النجاح الشعبي التهديد المباشر للسيد الوزير بالمساءلة الفورية، وبزخم برلماني معارض كبير، خصوصا ضد قيادات القوات الخاصة التي قدمت مادة دسمة، وعلى طبق من ذهب لطلاب الاستجوابات في ظل الارتباك الشديد لمسؤولي "الداخلية"، والسعي السريع للتبرؤ من الفاسدين!وبالفعل أثبتت أحداث بيان أن التأزيم السياسي المزعوم قد ينجح وبامتياز في مثل هذه الظروف، وأن بعض المسؤولين بالفعل يعدون مثالاً صادقاً لمقولة "تخاف وما تستحي"، ووفقاً لهذه المعادلة فإن على الأخ الفاضل وزير الداخلية أن يبرهن صدق شعارات الإصلاح وجديتها لعدد من قيادييه المتورطين في قضايا أخطر وأكبر من قضية بيان، ومنها قضية الشاب قتيل الجابرية، ومنها تلاعب بعض كبار الضباط في سجلات المرور، وتعليمات الضبط والإحضار ومنع السفر، رغم أنهم لا يمتون لهذه القطاعات بأي صلة وظيفية، ولكن من باب تنفيذ الأوامر من خارج الوزارة، ومقابل رواتب شهرية ثابتة، وهذه الملفات على طاولة الوزير منذ شهور عدة ولم يحرك فيها ساكناً، وإذا كان إعصار العيد قد نجح في بيان فلا يمنع حدوث إعصار آخر بعد العيد!