منذ فضيحة الرشاوى المليونية, والأصوات تتعالى من كل حدب وصوب تتبرأ من هذا العمل الشائن, فهذا يشجب وذاك يستنكر، وفلان يطلب جلسة طوارئ والآخر يوقع وهلم جرا... كأننا نخدع أنفسنا بأن الاستثناء هو التنفيع والرشاوى، وأننا لم نسمع في دواويننا ولم نر من حولنا أي شيء مشابه من قبل.  يحدثني أحد المندوبين الذين يقضون أغلب يومهم في أروقة الوزارات أن بعض المعاملات لا تمر إلا بكرت تعبئة بين طيات الأوراق, ويحدثني آخر عن النائب فلان الذي لم يكل أو يمل من التحدث عن الأمة والفساد المستشري فيها كيف أنه استلم منه 90 دينارا (هدية) لأن الوسيط يأخذ 10 دنانير عن كل عملية (إهداء), ومن سيقرأ المقال سيحدثني عن عشرات النواب الذين أنهوا معاملات آلاف المواطنين سواء كانت قانونية أو غير قانونية خصوصا في فترات الاستجوابات التي يرخى فيها الحبل, ومن ثم سيعود هؤلاء المواطنون الذين ينتقدون المجلس ليل نهار ليصوتوا لنفس الأسماء بحجة "عيب والله... الريال (أو المرأة) ما قصروا ويانا".  نعاني للأسف ازدواجية في معايير تقييمنا للرشوة, فالرشوة هي كل مساعدة من أجل رد الجميل بشكل عام, ولكن عندما يتعلق الأمر بنا فهي تتعلق فقط بالمال, وعندما يتعلق المال بنا فهي تتعلق فقط بالملايين التي تؤخذ من المال العام أو غيره, فنرى أعضاء في السلطة التشريعية يستنكرون الرشاوى المليونية, ولم يجف حبر الشيك الذي استلموه من أعضاء في السلطة التنفيذية، لكن لحظة من فضلكم، نسينا أنه كان للأغراض الخيرية.  تكلمت في مقال سابق عن ثقافة الهجرة التي بدأت تنتشر بين الشباب, وأعتقد أن ما ذكر في الأعلى هو أحد الأسباب لانتشار هذه الثقافة, ومما يصب الملح على الجراح, هو أننا لسنا الوحيدين الذين نرى هذا الشيء, فمن قبل قال توني بلير إن 2030 لن توجد دولة اسمها الكويت, وخرجت لنا وثائق "ويكيليكس" لنرى رأي السفارة الأميركية أنها أكثر تشاؤما وقالت إن 2020 هو العام الموعود... و"إنا لله وإنا إليه راجعون".
Ad