الوضع في البلد بات يسد النفس عن كل قراءة وكتابة، فالكل مهموم ومنفعل، متربص ومضطرب بما يجري في الكويت، حتى بات الهم السياسي يتسيد ويقفل كل منافذ الحياة، وأصبح القلق والشعور بالضياع هو سيد الموقف، فمن الذي يهتم الآن بالثقافة والفن والتسلية والترفيه؟

Ad

الكل مهموم ويعيش في حالة انتظار لما هو آت، للحظة تجليه السافرة، وفي ظل هذا الوضع المتأزم أسأل: ما أهمية أن نكتب في المواضيع الثقافية ونحن على رأسنا يقف الطير؟

لكن بما أنني من كتاب الصفحة الثقافية التي يجب أن تلاحق وتتابع المستجدات في الأحداث الثقافية وأن نكتبها، لأن الوضع الثقافي هو جوهر كل الحيوات الأخرى التي تنفلت من عقالها عندما يختل أو يضيع الأساس الثقافي، ففي ظل غياب الوعي الثقافي تزداد النكسات وتضيع الرؤية الصحيحة في الهوجة، ويزداد الاستسهال والاستهبال وطفح الضحالة، فليس هناك أي ترسيخ أو تركيز للسلوك والعادات والتصرفات طبقا لنهج مبني على ثقافة وعي يؤسس لإنسان ومجتمع ومستقبل، ليس هناك إلا الفوضى والضياع والاقتناص بأسرع مما يخلفه غزو لجراد سريع عابر، وهو الأمر الذي يحدث الآن.

ومع هذا يجب ألا نكتب بتأثير هذه الروح السائدة ونخضع أو نغرق في بحر الاستسهال والاستهبال والاستخفاف، وليبدأ كل واحد بنفسه قبل أن يطالب الآخرين بالتغير.

لذا قررت أن أبدأ أنا بنفسي في مرحلة إصلاح هي خطوة صغيرة وضئيلة جداً في درب الإصلاح الثقافي، وهو الجزء الذي يخصني منه هو قول وكتابة كلمة الحق في النصوص أو الأعمال الفنية والأدبية التي اقرأها أو أشاهدها يجب ألا يقل مستواها عن جيد جداً، فلن أشجع أي عمل منها من دون أن يكون أقل من هذا المستوى، فقد كثرت في الآونة الأخيرة الأعمال الأدبية ذات المستوى الهابط التي وجدت من يطبل ويزمر لها في غياب وعي نقدي وثقافي كامل وزمن سرقات فُتحت أبوابه على الآخر من دون رقيب ولا حسيب، لهذا لن أكتب أو أشير وأنوه إلا لمن يستحق أن يُكتب عنه، كنت أحيانا ومن باب تشجيع الكتابات الأولى أتنازل عن درجة الممتاز أو التحفة لأكتب عن نصوص جيدة أو ذات مستوى بسيط مستوف لشروط الكتابة لكنها لا تحمل أي تميز لافت، من باب تشجيع الكاتب خصوصا في بداياته أمنح عمله فرصه للاطلاع والانتشار للشاب أو لشابة الذي يقدم نصه الأدبي الأول، لكني لاحظت أن بعضا من الذين كتبت عن أعمالهم كي أشجعهم ليتطوروا ويشقوا طريقهم، يأخذهم الغرور من نشر عمل واحد لهم وبسرعة ينقلبوا إلى منظرين "شايفين" حالهم بشكل لا يطاق، حتى انهم يستعلون على من حاول دفعهم ومساعدتهم لدرجة أنهم يحاولون أن يكبروا عن طريق الدوس على من ساعدهم والتربص والتصيد لهم.

الغرور هو المصيبة التي تصيب الكاتب غير المبدع، لأن المبدع الحقيقي إنسان مشغول ومستغرق في إبداعه الذي يلتهم كل وجوده السطحي ويستولي عليه تماما في غياب لا يدرك معنى البحث عن التكسب والتربح والتسابق على الأضواء والنجومية الفارغة، المبدع الحقيقي غارق ومبتلع في لجة إبداع غير منتبه أو مهتم بأمور أخرى خارج عن جوهر إبداعه، لذا نجده متواضعا ومترفعا عن توافه الأمور.

وعلى هذا لن أشجع أو أكتب أي مقال من بعد هذا اليوم لا يستحق صاحبه الكتابة عن عمله، وأن يكون هذا العمل بمستوى لا يقل عن جيد جدا، لأن الفن والأدب لا يتحملان المجاملة، وعلى الكاتب مسؤولية تقديم أعمال جيدة جدا إلى القارئ الذي هو بالفعل يراهن على مصداقية كاتبه.

ومن منطلق هذه الفوضى السائدة أرى أن لكل واحد منا له دور فيها في مجاله ربما تكون بقصد أو من دون قصد، أو بحسن نية وحب للمساعدة يأتي فعله ليشارك في وضع لبنة في خراب هذا البناء الثقافي الذي يحتاج إليه المجتمع، لذا يجب على كل منا أن يبدأ في تصحيح مساره، حتى وإن كان ليس أكثر من كلمة قد يكون لها دور بناء، فالكويت ليست في حاجة إلى مزيد من الأساس الأخلاقي الهش.

لذا يجب البدء حالا في تصحيح ذواتنا إن أردنا للكويت أن تنهض من كبوتها.