حركة شعبية ترسم ملامح التغيير يقودها الشارع العربي، تعيد طلاء السماء بلونها الأزرق الفاتح بعد أن بهت ذلك اللون وأصبح رماديا لا حياة فيه ولا بريق.

Ad

حركة... تمسح الغبار عن أوراق الشجر ليعود أخضرَ بهيّاً يحرض الموتى على الانتفاض وتجربة التنفس من جديد.

حركة تُمسك زمام السيول وتجرّها إلى حيث ينبغي من الأمكنة التي عانت على مر الزمن تراكمَ الأوساخ ليتم غسلها تحت أشعة الشمس الحارة، حتى يتم تطهيرها من آثار العفن...

تعيد تلميع حبات الرمل حبة... حبة.

تُسرّح جدايل القمر، وتغسله بالماء والحناء وأطياب العطور، بعد أن مضت سنوات طويلة لم يتخلل جديلته مشط.

 حركة... أعادت ترتيب مكان الغيوم على خارطة السماء، وحمّلت كلاً منها ما يكفيها من الماء...

شدّت ظهر النخيل المحني من شدة الوهن، ليعود باسقا شامخا كمنارة كبرياء.

حركة شابة عفيّة...

ليس لها حسابات سياسية معقدة، ولا تملك خبرة السير في الممرات المظلمة، ولا لها أجندة تخفيها تحت ملابسها الداخلية، ولا تطمع في أكثر من مساحة أكبر للحرية، وأفق أوسع للتحليق، وأرض صالحة للعيش الكريم.

الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه من الطرف الآخر يُعاد تشكيله... يعاد تلوين مناخاته، وضخ الأكسجين في رئتيه، وفلترة هوائه، ولن تكون هناك بقعة في هذا الوطن في مأمن من ذلك التغيير...

سيتم التأجيل، وربما التأخر بعض الوقت إلا أن الحركة قادمة لا محالة.

أفهم أن هذه من الفرص التاريخية المناسبة لتدخل السياسة، وأن تحاول الاستفادة من الوضع لصالحها ما أمكن.

أفهم حتى أن يحاول الاقتصاد التماس مع هذه التغييرات، ويحاول في أضعف الأحوال ألا يخسر كثيرا إن لم يستطع "التكسب" مما يحدث!!

ما لم أفهمه حتى الآن – ولا أظنني سأفهمه- تدخّل الدين!

مؤمن بأن صورة التغيير برغم سلبياتها حتى اللحظة جميلة، ومؤمن بدرجة لا تقل بأن الدين جميل

إذن... كيف لجمال صورة التغيير تلك أن تُشوه بجمال الدين؟!

هذا ما لم أفهمه...

كيف لطرفين مثلاً يدعيان محبة الله... أن يكونا محمّلين بهذا الكم من الكره أحدهما ضد الآخر؟!

كيف لطرفين يدّعيان قُرباً من الله... أن يمارسا الإقصاء بعضهما ضد بعض بأبشع الوسائل وأقذر الأساليب؟!

كيف لطرف يدّعي أن الدين يملأ النفس البشرية بالصفاء ويكون هو مليئا بالخبث؟!

وأن الدين محبة... وهو معبأ بالضغينة والحقد؟!

وأن الدين خير، ودَمه سجادة شرّ شائكة مفروشة، ممتدة بين قلبه وكل شرايينه؟!

هؤلاء الذين ينادون للصلاة ويغتسلون قبل أدائها، مم يتطهّرون؟!

هؤلاء المتدينون الذين يقتلون بدم بارد، وقلب يملؤه اليقين، متدينا آخر ليس على ملتهم، أو طائفتهم، أو مذهبهم، أو حتى دينهم، ثم يقفون بين يدي الله خاشعين، تغرق مآقيهم الدموع من رهافة الحس، كيف يفعلون ذلك بهذا الإتقان؟!!!

كيف يمزقون المجتمع بضمير غائب، وأعصاب باردة، لا مبالين بالعواقب؟!

كيف يحاولون اختطاف حركة شعبية لا دين لها، ولا طائفة، لأنها آمنت بأن الله للجميع؟!

 أليس الله للجميع؟!