ما قل ودل: مخالفة الأوضاع الشكلية في إقرار القوانين يبطلها
من المستقر عليه في أحكام القضاء الدستوري أن مخالفة الأوضاع الإجرائية التي يتطلبها الدستور في إقرار القوانين، سواء في ذلك ما كان منها مفصلاً باقتراحها أو إقرارها، أو إصدارها، تَصِمُ القانون بعوار شكلي يوقعه في حومة المخالفة لأحكام الدستور، (انظر في ذلك- المحكمة الدستورية العليا في مصر في الحكم الصادر بجلسة 3 يوليو 1995- القضية رقم 25 لسنة 16 قضائية دستورية).وتتحدد دستورية الأوضاع الشكلية للنصوص القانونية على ضوء ما قررته في شأنها، أحكام الدستور التي فرضتها (جلسة 7/12/1995 ق 15 لسنة 18 القضائية).
وينطبق على الأوضاع الإجرائية لإقرار القوانين المنصوص عليها في اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، ما ينطبق على الدستور ذاته، باعتبار الطبيعة الدستورية لهذه اللائحة.الهدف هو صون أحكام الدستورومن هنا لم يكن الهدف من تناولي- في مقالين سابقين يومي 12 و19/6- إعادة التصويت على مشروع القانون بزيادة الخمسين ديناراً بجلسة مجلس الأمة المعقودة بتاريخ 10/5/2011، وما سبقها من رفض اللجنة المختصة المرسوم رقم 139 لسنة 2011 برد هذا المشروع، دون أن تضمن اللجنة تقريرها المقدم إلى المجلس الأسباب التي بنيت عليها رأيها، ودون أن تتطرق إلى مشروع القانون الذي طلب صاحب السمو الأمير إعادة النظر فيه، لم يكن الهدف من هذا التناول سوى صون أحكام الدستور وأحكام اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، من أن تخالف مرة أخرى عند إعادة النظر في مشروع قانون رده رئيس الدولة، لأن هذه المخالفات من شأنها أن توقع مشروع القانون في حومة المخالفة لأحكام الدستور.لا إلزام على الأمير بالتصديقومن هنا فإن مخالفة أحكام المادتين (65- 66) من الدستور، بإعادة التصويت على مشروع القانون، الذى رده صاحب السمو الأمير، دون إعادة النظر فيه، تعيد إلى صاحب السمو الأمير حقه الدستوري في عدم التصديق على مشروع القانون، إذ لا تلزمه المادة (66) من الدستور بالتصديق عليه وإصداره، إذا كان المجلس لم يلتزم بإعادة النظر في مشروع القانون، بما يستتبع ذلك من مناقشة مستفيضة للمشروع في ضوء الأسباب التي بني عليها الرد، ثم التصويت عليه في مداولة أولى وثانية، لأن إعادة التصويت على المشروع بغير اتباع هذه الإجراءات لا تضفي على المشروع مقوماته، فينعدم المحل الذي يرد عليه التصديق، وفقا لما قضت به المحكمة الدستورية العليا بمصر بأن "الأوضاع الشكلية القانونية، للقوانين لا تقوم إلا بها ولا يكتمل بنيانها أصلاً في غيبتها، لتفقد بتخلفها وجودها كقواعد قانونية تتوافر لها خاصة الإلزام"- (جلسة 3/7/1995 ق 25 لسنة 16 قضائية). تصديق رئيس الدولة... أثرهوالأصل أن تصديق رئيس الدولة على مشروع قانون شابه في إقراره عوار شكلي أو موضوعي، لا يصحح هذا العوار، ولا يصحح الإجراءات التي تمت مخالفتها في إقرار القوانين.بل لقد ذهبت المحكمة الدستورية العليا في مصر إلى أبعد من ذلك حين قضت بأن الاستفتاء على مشروع قانون، وموافقة الشعب عليه لا يطهره من العوار الدستوري، ولا يحصنه من رقابة المحكمة الدستورية (جلسة 21/6/1986- الطعن رقم 56 لسنة 6 ق).نظرية تحول العمل الدستوريوإذا كان الأصل أن تصديق رئيس الدولة على مشروع القانون وإصداره، لا يمنع من الطعن بعدم دستوريته، بسبب ما شاب إقراره من عوار شكلي أو موضوعي إلا أن تصديق رئيس الدولة على مشروع القانون سالف الذكر، إنما يرتد بأثره إلى إقرار صحيح لمشروع القانون وهو الإقرار تم في 22/3/2011، قبل رد الأمير للمشروع بالمرسوم رقم 139 لسنة 2011، أي أن هذا التصديق إنما يرد على محل صحيح، هو إقرار المشروع أول مرة قبل صدور مرسوم رده، وليس على ما تم من إعادة التصويت على المشروع في 10/5/2011 وهو بمنزلة نزول رئيس الدولة عن أوجه الاعتراض على المشروع.أي أننا إزاء نظرية في تحول العمل الدستوري من عمل غير صحيح إلى عمل صحيح، على غرار نظرية تحول القرار الإداري، وهي النظرية التي صاغها مجلس الدولة الفرنسي، وتابعه في ذلك مجلس الدولة المصري في الحكم العظيم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في مصر بجلسة 8/10/1958 في الطعن رقم 546 لسنة 2 قضائية، والذي قضت فيه بأنه إذا أمكن حمل القرار على محل الصحة، إذا استوفى شرائط صحته، على محل صحيح بدلا من المحل الباطل، فإن القرار الإداري يعتبر صحيحا منتجا لآثاره على الوجه الذي ثبتت صحته.وترتيبا على ذلك فإن القانون سالف الذكر يعتبر صحيحا منتجا لآثاره القانونية، متمتعا بخاصية الإلزام، بعد حمل تصديق رئيس الدولة على إقرار مجلس الأمة لمشروع القانون بتاريخ 22/3/2011.