تقول الحكمة القديمة "العاقل من اعتبر بغيره والأحمق من لم يتعلم من خطئه"، وبين العقل والحماقة مساحة كبيرة يوجد فيها كثيرون، والمجلس العسكري الحاكم في مصر منذ تولى الحكم فعليا في 11 فبراير لم يتعلم من أخطائه، ولم يتعظ مما حدث ويحدث لغيره، فلا وقف هنا ولا استقر هناك، فضاع وأضاعنا معه.
منذ يومين صرح أحد أعضاء المجلس بأن من سيقوم بترشيح واختيار أعضاء لجنة وضع الدستور هم الحكومة والمجلس الاستشاري بالتوافق مع المجلس العسكري متجاهلاً مجلس الشعب تماماً، وأثار هذا التصريح الكثير من الهرج واللغط السياسيين. وبالأمس صرح عضو آخر من المجلس العسكري ذاته بأن مجلس الشعب القادم هو المسؤول- كما جاء في الإعلان الدستوري- عن اختيار أعضاء لجنة وضع الدستور!وبين رأي هذا وذاك يتوه المجلس ونتوه معه، وهذه هي حال المجلس منذ توليه الحكم؛ فإما أن يتخذ القرار الخطأ وإما أن يتخذ القرار الصواب في التوقيت الخطأ. وفي كل الأحوال يتسبب في الخلاف بين القوى السياسية والمواطنين، ففي البداية رفض تشكيل مجلس رئاسي وأصر على رفضه طوال الفترة الماضية وجاء الآن- في الوقت الخطأ- يفاجئ الجميع بموافقته وتحويله إلى مجلس استشاري لا دور له إلا إثارة الفتنة والخلافات وتنازع الاختصاصات... فبينما الانتخابات قائمة وتشكيل مجلس الشعب على الأبواب كان قراره الصائب في الوقت الخطأ، فلماذا يوافق الآن على تشكيل المجلس الاستشاري؟ ولماذا لم يشكله منذ توليه الحكم؟ وما دوره الآن؟ لماذا... ولماذا؟يرد المجلس بأن "الشعب عايز كده..!". "ألم تكن هذه مطالبكم من البداية؟". معتقدا أنه بذلك يضحك على الشعب (تحويل الرئاسي إلى استشاري وتشكيله الآن)، ويمارس عليه المكر والدهاء، وحقيقة الأمر عناد وغباء، إن خلط الأوراق والتلاعب في الأوقات وإثارة المشكلات والخلافات فيما بين القوى السياسية مع بعضها وبين الأحزاب وجموع الشعب سياسة مخططة ومدبرة من المجلس العسكري... لماذا؟الهدف واضح للجميع، ولكنه غير معلن، ويحاول المجلس الالتفاف حوله؛ معتقدا أنه أكثر ذكاء من الشعب، ويستطيع الاختفاء وراء ما يثيره من أزمات ومشكلات للبقاء في منصبه، والأهم من البقاء ضمان عدم المحاسبة أو المحاكمة بعد رحيله.والشعب يدرك ذلك جيداً ولن يحققه له، فلقد صبر الشعب على مبارك ونظامه الأخطبوطي الفاسد 30 عاماً كاملاً، ثم عزله وحاكمه، فهل يصعب عليه أن يصبر سنتين أو ثلاثا على غيره؟ بالتأكيد لا يصعب عليه ذلك.قد يسأل البعض هل تشكك في نوايا المجلس في ترك السلطة؟ والجواب النوايا يعلمها الله، وأدرك تماما أن المجلس سيترك الحكم كما أعلن، ولكن ليس في آخر يونيو 2012، وليس قبل وضع تشريعات وضمانات تكفل عدم محاسبة أعضائه أو ملاحقتهم قضائياً. وأسأل هل سينجح في ذلك؟ والجواب لا... لن ينجح المجلس، وسيرحل بل سيحاسب ويحاكم أيضاً.أتمنى أن يعي المجلس ذلك جيداً كي يكف عن ألاعيبه وإثارته للفوضى السياسية... فهل يستجيب؟***عدت من مصر الأسبوع الماضي وشعرت كما شعر الجميع بالكثير من التفاؤل مع تولي وزير الداخلية الجديد منصبه في إعادة الأمن والانضباط إلى الشارع، كما جاءت الانتخابات- بعيدا عمن فاز أو خسر- باعثاً إضافياً لهذا التفاؤل ودليلاً على تجاوز مصر محنتها واستعادتها لمكانتها وزعامتها... مبروك لمصر.
مقالات
نعم... سيرحل
16-12-2011