لم يبق في جعبة الرئيس علي عبدالله صالح مِنْ أفاعٍ يستعين بها لمواجهة معارضيه, الذين لا يزالون يصرون على سلمية ثورتهم, إلا الاستعانة بفتاوى بعض المعممين الذين لم يترددوا في استخدام هذا الدين الحنيف؛ دين العدالة وإنصاف المظلومين، استخداماً سلطوياً والإفتاء تملقاً للحاكم وركوعاً عند أقدامه بأنه لا تجوز الثورة على «وليَّ الأمر» ولا يجوز الخروج على الحاكم.

Ad

كان عالم الاجتماع العراقي المبدع علي الوردي, الذي هو أحد أهم القامات العربية المرتفعة في هذا المجال, قد أطلق وصف «وعّاظ السلاطين» على من يشبهون الذين أفتوا بعدم جواز الثورة على الرئيس علي عبدالله صالح, الذي من المؤكد أنه إذا استمر بمناوراته وبألاعيبه الصبيانية هذه فإنه سيوصل اليمن السعيد إلى الحرب الأهلية المدمرة وإلى العودة إلى التشطير وإلى ما هو أكثر من هذا. فهؤلاء الوعّاظ، كما أسهب الوردي في الحديث عنهم، جاهزون لكل ما يأمرهم به أولياء نعمتهم، وهم على استعداد أن يحرَّموا الحلال ويحلوا الحرام، والمهم هو إرضاء من في يده المال والصولجان.

ذات يوم رأى أحدهم, وكان قد دفع شقاء عمره كله لبناء بيت صغير لإيواء أطفاله وحمايتهم من سطوة الحر وبرودة القر, كلباً يبول على حائط بيته، فذهب إلى أحد «المتمشيخين» ليسأله عن حكم الإسلام بهذا الذي جرى، وكانت المفاجأة أنه رد على السائل المسكين بأن عليه أن يهدم المنزل ثم يعيد بناءه من جديد، كي يصبح طاهراً من النجاسة التي تسبب بها ذلك الكلب اللعين.

عاد هذا المسكين إلى منزله مهموماً حزيناً، فهو بقي يشقى طوال عمره ليوفر ما بنى به هذا المنزل، وقد أمضى ليلته مرة يحملق في سقف منزله ومرة أخرى ينظر إلى أطفاله الذين يغطّون في نوم عميق وهم يلتصقون ببعضهم البعض كعصافير لم ينبت الريش على أجنحتها بعد، وهكذا وهو على هذه الحال جاءته فكرة مع انبلاج الفجر بأن يذهب إلى هذا الشيخ نفسه ويخبره بأنه شاهد ذلك الكلب اللعين يبول أيضاً على حائط منزله هو.

ذهب باكراً إلى بيت الشيخ فقرع بابه بأدب جم وبنقرات خفيفة، وعندما خرج إليه الشيخ قال له بلهفة: لقد رأيت يا سيدنا ذلك الكلب اللعين يبول على حائط منزلك الجميل... فما هو حكم هذا؟! وكان الرد بعد نحنحة طويلة بأن قال له بهدوء: ما عليك يا بني، قليل من الماء يطهره، فالدين يسر وليس عسراً، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!!. لقد كان الخروج على ولي الأمر محرماً عندما كانت هناك خلافة إسلامية راشدة، وعندما كانت مبايعة المسلمين شرطاً للولاية، أمّا عندما يصل الحاكم إلى مواقع المسؤولية بالدجل والنصب والاحتيال وبالولدنة والفهلوة، وعندما يتحول بعد وصوله إلى فرعون جديد يضطهد العباد ويعيث فساداً في البلاد، ويستحل كل المحرمات، فإن الخروج عليه يصبح ضرورياً لأنه أصبح «إماماً» جائراً، ولأن الخروج على الإمام الجائر أمر رباني، وأحد تعاليم الإسلام العظيم الذي يرفض الجور، ولا يقبل أن يستبد الحُكام بعباد الله الصالحين بحجة أنه لا يجوز الخروج على ولي الأمر... والحديث الشريف يقول «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، ويقيناً أن السكوت على الظلم هو أبشع معصية للخالق.