علماء تحت راية الإسلام: ابن البيطار.. مؤسس علم الصيدلة الحديثة
نبغ علماء المسلمين في جميع المجالات العلمية المختلفة، فمن علوم الكيمياء والفيزياء إلى علوم اللغة والأدب، ومن علوم الفلك والرياضيات إلى علوم الحيوان والنبات، والعلم الأخير تحديداً سجل العرب فيه العديد من الإنجازات التي لا تزال مسجلة بأسماء عربية بمجهودات إسلامية، ويعد العالم الكبير ابن البيطار أبرز علماء النبات المسلمين على الإطلاق، واعتبره علماء الغرب أعظم عالم نباتي ظهر في القرون الوسطى. وقد عد دارسو تاريخ العلوم العربية في أوروبا ابن البيطار أهم من درس علم النبات وخواصها منذ ديسقوريدس اليوناني حتى القرن السادس عشر الميلادي مع اندلاع فتيل النهضة الأوروبية. ولد ضياء الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد في مدينة ملقة بالأندلس سنة 595هـ/1197م. عرف بابن البيطار لأن والده كان بيطاريا بارعا. وبعد أن شب ابن البيطار اتجه صوب مدينة أشبيلية، إحدى كبرى معاقل الحضارة الإسلامية في الأندلس، وهناك تلقى علومه على أيدي علمائها مثل أبي العباس الأندلسي وعبدالله بن صالح وهما من كبار علماء النبات في عصريهما، بعدها تجول ابن البيطار في مدن المغرب العربي فزار مدن مراكش والجزائر وتونس جامعا للعلم ومدونا لأصناف النباتات، ثم يمم وجهه صوب المشرق فزار بلاد الأناضول (تركيا الحالية) وتعلم على أيدي علماء البيزنطيين ثم زار أنطاكية ودخل بلاد الشام حيث التحق بخدمة ملوك بني أيوب، واستقر به المقام في القاهرة بعد أن قربه السلطان الملك الكامل الأيوبي الذي جعله رئيسا على سائر العشابين (ما يوازي رئاسة نقابة الصيادلة الآن).
يعد كتاب «الجامع لمفردات الأدوية والأغذية» المعروف بمفردات ابن البيطار من أنفس الكتب النباتية وأشهرها، الذي ضم خلاصة أبحاثه الذي وضع فيه أسس علم الصيدلة الحديث الجامع بين علم الأعشاب والقواعد العلمية القائمة على التجربة، فقد جمع ابن البيطار مع مشاهداته ومعايناته الشخصية علوم السابقين الموجودة في الكتب التي نقدها وفند ما فيها من أخطاء، وامتاز كتاب ابن البيطار بتنظيمه على حروف المعجم ما جعل التعامل مع محتوياته سهلا. كما ذكر فيه الأدوية الخاطئة التي تستعمل من باب التكرار، وفند وهمها معتمدا على تجاربه ومشاهداته، كما أنه ذكر فيه أسماء الأدوية بسائر اللغات المتباينة، إضافة إلى منابت الدواء ومنافعه وتجاربه الشهيرة، وكان يقيد ما كان يجب تقييده منها بالضبط والشكل والنقط تقييدا يضبط نطقها حتى لا يقع الخطأ أو التحريف عند الذين ينسخون أو يطلعون عليه، وذلك لأهمية الدواء وتأثير الخطأ على حياة الناس. كما أنه دون فيه كل الشروح والملاحظات المتعلقة بتخزين النباتات وحفظها وتأثير ذلك على المواد الفعالة والمكونات الغذائية الموجودة فيها. بذلك يكون ابن البيطار مؤسس علم الصيدلة الحديث القائم على استخلاص الدواء من النباتات المناسب الذي يعالج جسد الإنسان كوحدة واحدة لا علاج الداء فقط. وصف ابن البيطار في موسوعته تلك أكثر من 1400 نوع من أنواع النباتات العلاجية واصفا طرق استخدامها والأمراض التي تعالجها، كما وصف 200 نوع لم يتعرف اليها أحد من قبله. وأثبتت الدراسات الحديثة أن ابن البيطار مات مسموماً في دمشق سنة 646هـ/1248م، نتيجة إجرائه تجارب على نبتة سامة لصنع دواء منها، لذلك كانت نهاية حياته مصداقا لنبوغه العلمي، ولإرسائه قواعد التجربة العلمية.