لن نصبح بشراً

نشر في 30-08-2011
آخر تحديث 30-08-2011 | 22:01
No Image Caption
 حمد نايف العنزي المشاعر البدائية التي تسكن قلوبنا، وتطبيق نظرية «قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار» في كل حدث استنادا إلى دين ومذهب الجاني والمجني عليه، واعتبار قاعدة «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»- بالمفهوم الجاهلي وليس النبوي- هما الأساس الرئيس في اتخاذ المواقف مع أو ضد دون النظر إلى أي اعتبار آخر!

خلال فترة الغزو العراقي للكويت، كان أكثر ما يثير غضبي هو موقف الشعوب العربية من قضيتنا، إذ وقف معظمهم مناصرا لصدام حسين وجيشه ضد شعب أعزل احتُل بلده ودمرت مملتكاته ومحيت هويته بحجة تحرير فلسطين، ومحاربة قوى التكبر والاستعمار!

كنت أستمع يوميا، وبقهر لا يوصف، للمتصلين على الإذاعات وهم يتباكون خوفا على المعتدي من عدوان "إمبريالي" محتمل دون أن تهتز شعرة في أجسادهم تعاطفا مع ما يحدث للمعتدى عليه، وكنت أتساءل دوما: لماذا هذا التجاهل لآلامنا وأحزاننا؟! ماذا أجرمنا بحقهم كي نستحق هذا القدر من الكراهية؟! أيعقل كل هذا الحب لطاغية مجرم ملأ السجون بالمعارضين وقصف أبناء جلدته بالغازات السامة؟! كيف لإنسان "طبيعي" أن يدافع عن سادي يعذب البشر ويدوس على كراماتهم ثم ينام قرير العين مطمئن البال والقلب والضمير؟!

أمر لم أستوعبه مدة من الزمن، حتى خلصت إلى أن العلة تكمن في أننا شعوب تهوى التصنيف ووضع الآخرين في خانات، فهذا مسلم وذاك كافر، وهذا سنّي وذاك شيعي، وهذا وطني وذاك عميل، وهذا مناضل وذاك خائن، إلى آخر قائمة التصنيف التي لا تنتهي، والتي على أساسها تتخذ المواقف وتبنى المبادئ، وكان من سوء حظنا أننا مصنفون عند بني يعرب كرجعيين وعملاء للغرب و"أغنياء" لا يستحقون ذرة تعاطف! وكان خصمنا للأسف مصنفا كمناضل وحام لحمى البوابة الشرقية و"فقير" رغم بحار البترول الجارية أسفل قدميه!

لم أجد سوى هذا التفسير واقتنعت به، ثم مضت السنون لتأتي الثورات العربية وأحداثها ولتجعلني أتيقن تماما من صحة ما ذهبت إليه، وهو أننا شعوب لا تحركنا المبادئ والقيم بقدر ما يحركنا تصنيفنا للآخر، وفي أي خانة هو، فليس مهما لدينا معرفة الحقيقة ومن الجاني ومن المجني عليه، فالموقف من كل طرف يحدده مذهبه ومعتقده، أهو على نفس ملتنا أم لا، فإن كان كذلك فهو مظلوم وإن ظَلم، وإن غير ذلك فإلى الجحيم هو ودماؤه، فهو ظالم وإن ظُلم!

وانظروا إلى مواقف الشيعة- ليس كلهم- من الأحداث في البحرين ووصفهم لها بالثورة المستحقة، وأن على الجميع مناصرتها وتأييدها ثم انظر إلى موقفهم من سورية وتبسيطهم للمسائل، وأن هناك تضخيما ومبالغة لما يجري، فالأمر مجرد مؤامرة إسرائيلية للإطاحة بنظام الحكم العلوي ينفذها العملاء! ثم انظروا إلى مواقف السنة- ليس كلهم- وهم يذرفون الدموع على قتلى المظاهرات في سورية بيما لم يتأثروا لحظة برؤية قتلى البحرين، والأمر برأيهم ليس سوى مؤامرة إيرانية لقلب نظام الحكم السني في البحرين، بل لقد هاجموا رئيس الوزراء وهددوا باستجوابه لعدم إرساله القوات الكويتية لقمع المتظاهرين هناك!

ومع أن المطالب الإصلاحية في البحرين وسورية متشابهة ومستحقة في الحالين ويفترض أن يكون الموقف منهما واحدا، إلا أن علة التصنيف (شيعي أم سني) تقف كالعادة حائلا بيننا وبين أن نكون بشرا طبيعيين ننتصر للحق ضد الباطل، ونقف مع المظلوم ضد الظالم، ونتعاطف مع الضحية ضد الجاني، إنها تجردنا من آدميتنا دون أن نشعر!

فالمشاعر البدائية التي تسكن قلوبنا، وتطبيق نظرية "قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار" في كل حدث استنادا إلى دين ومذهب الجاني والمجني عليه، واعتبار قاعدة "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"- بالمفهوم الجاهلي وليس النبوي- هما الأساس الرئيس في اتخاذ المواقف مع أو ضد دون النظر إلى أي اعتبار آخر!

مؤسف ومحزن ما تقوم به فئة غير قليلة منا، فالقتل هو القتل في كل مكان، والظلم هو الظلم، والطغاة هم الطغاة سواء كانوا غرباء عنا أم إخوانا لنا، وما دمنا سنستمر في تفصيل المواقف حسب الدين والمذهب والملة، فلن نصبح بشرا.. مهما زعمنا ذلك!

back to top