أما وقد حسم سمو الأمير التكهنات بتكليفه الشيخ جابر المبارك برئاسة الوزراء، فإننا نكون قد تخطينا المحطة الأولى من هذه الحقبة الحرجة التي سيتبعها تشكيل الحكومة وانتخابات الرئاسة.
كل تلك الخطوات هي على المدى القصير ستكون مدخلاً إلى الخيارات المحدودة أصلاً أمام سمو الرئيس.من الواضح أن محدودية الخيارات تلك لم تأت من فراغ، ولكنها حصيلة قرارات لسلفه، الذي كانت أمامه كل الخيارات المفتوحة، لبث الأمل والاستقرار والتماسك في المجتمع، إلا أنه آثر أن يسلك طريقاً وعراً حتى رحيله، دون تزكية النواب عن المشاركة في الذنب، ولكن كل يتحمل مسؤوليته بقدر صلاحيته.ليس هناك خيار أمام الحكومة الجديدة إلا المبادرة بالإصلاح وربما حتى تبني أفكار إصلاحية تقدم بها النواب أنفسهم. ولربما كان الإعلان مبكراً عن إنشاء هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وكذلك الهيئة المستقلة للانتخابات، مؤشراً في هذا الطريق، وبالتالي فإن خيار الحكومة القادمة هو التسابق مع النواب في الإصلاح ليس على الطريقة الإنشائية البليدة التي اعتدنا عليها ولكن بجدية ومثابرة، للحفاظ على الحكومة ذاتها واستمرار سمو الرئيس، وفتح مزيد من الخيارات أمامها في مجالات أخرى.بالطبع هناك من أبناء عمومة سمو الرئيس من يتربصون به، بل قيل إنه صار لبعضهم ممثلون في البرلمان، وقيل حتى إن منهم من تدثر بخطاب معارض، وهذه مسألة تقليدية في العملية السياسية الكويتية ولا جديد فيها، وستظل عملية مقلقة إلا أنه في حالة تبني الحكومة برنامج الإصلاح، وعلى الأخص الشق الخاص بمكافحة الفساد وهو المفتاح السحري إن تم استخدامه بجدية، فإن المجلس سيضطر إلى مسايرة الخطوات الحكومية الجادة.من الواضح أن تراكمات السنوات الماضية قد خلقت حالة نفسية محتقنة جعلت المجتمع قلقاً بكل فئاته وشرائحه، وانعكس ذلك على نتائج الانتخابات، التي إن وجدت فيها رسائل فإنها مؤشر على أن المجتمع يعاني قلقاً حاداً تستطيع الحكومة أن تخفف منه ولا أقول تنهيه، لأنها مسألة تمت زراعتها ورعايتها من قبل أركان السلطة وغير السلطة، وبالتالي صار التركيز على التخفيف من ذلك الشحن والاحتقان أهم من قضايا تقليدية مطروحة.يتبقى أمامنا ما قيل عن أننا أمام مجلس معارض، ولا أظن أن المصطلح دقيق بالأساس، فإن الخيار المتاح هنا هو تبني مجمل الأفكار، ولا أقول البرامج التي طرحها النواب، وبالتالي تصبح الحكومة قد ارتدت قبعة المعارضة.هذا ما يتعلق بالشق الأسهل، وهو علاقة الحكومة بالمجلس، أما الأصعب فهو التعامل بجدية أكبر مع طموحات الشباب والحراك الشبابي الذي يتجاوز النواب بمراحل، والذي إن لم تتعامل الحكومة والنواب كذلك مع حراكهم فإننا سنرى الكثير من السقطات القادمة.حالة الاحتقان وانعدام الثقة والشحن الطائفي والقبلي والفئوي والتعرض لشرائح المجتمع بكل استهتار عناوين وأعراض لأمراض قد تكون مشروعاً للتدمير حول قضايا صغيرة وجزئيات سيسعى خصوم سمو الرئيس من خلالها إلى إسقاط حكومته وإثبات فشله، وللأسف لم يتركوا خيارات كثيرة إلا التحرك للأمام، وإلا فإننا مقدمون على أزمة جديدة ربما أسرع مما نتوقع.
أخر كلام
سمو الرئيس بين القرارات والخيارات
08-02-2012