حول طبيعة التناقض الرئيسي في مجتمعنا
يخرج علينا بين الفينة والأخرى من يحاول تشويه طبيعة التناقض الرئيسي في مجتمعنا؛ من خلال تصويره على أنه تناقض أو صراع فئوي "قبائل وحضر"، أو أنه تناقض أو صراع طائفي "سني – شيعي"، إما عن حسن نية نتيجة لعجز فكري بمعرفة طبيعة التناقض الرئيسي الاجتماعي-الاقتصادي الدائم في أي مجتمع، والذي يعبر عنه عادة سياسيا، وإما بسوء نية من أجل تشتيت الجهود الوطنية الداعية إلى التغيير، إذ إنه كلما احتدم الصراع الاجتماعي-الاقتصادي استخدم الطرف المسيطر كل ما لديه من "أسلحة"، حتى لو كانت قديمة وبالية أو مضرة اجتماعيا وسياسيا من أجل المحافظة على الوضع القائم وعدم تغييره.لقد كتبنا مرات عدة حول المحاولات العنصرية والطائفية المسعورة الرامية إلى تشويه طبيعة الصراع الحقيقي الدائر في مجتمعنا، والذي لا يختلف البتة من ناحية القوانين الاجتماعية والاقتصادية التي تحكمه عن أي صراع اجتماعي–اقتصادي في أي مجتمع.
ومن ضمن ما كتبنا ذات مقال "أن الصراع، في حقيقته، ليس صراعا بين الأصول أو الأعراق أو المذاهب رغم محاولة المتنفذين الفاسدين والمفسدين من خلال أدواتهم الإعلامية تذكية الصراعات الثانوية بين الناس، وتصويرها على أنها هي أساس الصراع الدائر في المجتمع من أجل إلهائهم في صراعات جانبية هامشية، لكي لا يتوحدوا في الدفاع عن مصالحهم المشتركة، بل إن الصراع، في الأساس، هو صراع بين الطبقات الاجتماعية التي ينتمي إلى كل منها أفراد مختلفو الأصول والأعراق والطوائف، وحتى المناطق السكنية.فهناك طبقة وسطى عريضة في المجتمع الكويتي يعاني أفرادها المعاناة ذاتها بغض النظر عن أصولهم أو أعراقهم أو مذاهبهم أو أديانهم أو جنسهم. والشيء ذاته ينطبق على كل المنتمين إلى فئة الدخل المحدود، فهم جميعهم يعانون الظروف المعيشية والحياتية الصعبة ذاتها رغم اختلاف أصولهم ومذاهبهم ومناطق سكنهم، وبالطبع فإن الأمر نفسه ينطبق أيضا على الطبقة الرأسمالية التي نراها تدافع بقوة عن مصالحها الاقتصادية كطبقة ولا نجدها تدافع، إطلاقا، عن أصول أعضائها المتعددة أو مذاهبهم الطائفية المختلفة".من هنا فإن تصوير التناقض الرئيسي الدائر في مجتمعنا على أنه تناقض فئوي بين «أبناء القبائل» من جهة و«الحضر» من الجهة الأخرى (رغم تحفظنا المبدئي على استخدام مصطلحي "حضر" و"بدو") أو أنه تناقض طائفي بين "السنة" و"الشيعة" هو محض أوهام، القصد منها هو التضليل المتعمد للناس من أجل تشويه طبيعة الصراع الاجتماعي، وتمييع التناقض الرئيسي، وحرف أنظار الناس، وتشديد جهودهم في "معارك" هامشية لا فائدة تعود عليهم منها البتة، بل على العكس من ذلك فإنها "معارك" تساعد على استمرار الوضع المزري الحالي المعيق للتقدم الاجتماعي والاقتصادي الذي يعانيه الجميع، خصوصا الطبقتين الوسطى والفقيرة بغض النظر عن أصولهم أو جنسهم أو مذاهبهم أو مناطق سكنهم.