كما قال الصحافي «روبرت فيسك» في الـ«إندبندنت» البريطانية، فإنه غير متوقع أن يتنحى بشار الأسد ويترك للشعب السوري أن يقرر مصيره بنفسه ويصوغ مستقبله عبر صناديق الاقتراع، إلا إذا اقتحمت دبابة مكتبه ووصل مدفعها إلى رأسه. ولعل ما زاد الأمور وضوحاً بعد ثمانية أشهر من كل هذه الأحداث التي تجتاح سورية أن هذا الرئيس السوري ربما لا يملك قراره، وأنه مجرد واجهة لمجموعة من الشبان المتطرفين من أشقائه، ومن أبناء خؤولته وعمومته الذين ذاقوا طعم الحكم بالطول والعرض، وباتوا يصرون على الاستمرار في السلطة حتى لو لم يبقَ في هذا البلد حجر على حجر.

Ad

لقد قصد العاهل الأردني عبدالله الثاني بتصريحاته الأخيرة لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أمرين، أولهما أن يتنحى بشار الأسد عن موقعه بكرامته وبقرار منه، وليس بالطريقة المذلة التي أُجبر بها معمر القذافي على المغادرة والرحيل، وبالتالي التخلص منه بذلك الأسلوب الوحشي الذي تقشعر له الأبدان، والثاني أن يضمن نظاماً بديلاً لا يشبه نظامه، ويكون استجابة لرغبة شعب تحمّل القهر والاستبداد سنوات طويلة، وأصبح من حقه بعد كل هذه التضحيات التي قدمها أن ينعم بالديمقراطية والحريات العامة والتعددية، ويختار مستقبل سورية وفقاً لمعايير الألفية الثالثة، بعد التخلص من باقي ما تبقى من أنظمة الحكم الستالينية الاستبدادية.

لم يكن هذا الذي قاله الملك عبدالله الثاني، بصراحته المعهودة، تدخلاً في الشؤون الداخلية لدولة شقيقة؛ فسورية أكثر الدول العربية التصاقاً جغرافياً وديموغرافياً بالأردن، وبالتالي فإن لكل ما يجري فيها تأثيراً مباشراً على كل الأوضاع الأردنية السياسية والأمنية والاقتصادية، وعلى أوضاع المنطقة كلها، والمعروف أنه إذا سَمح ركاب سفينة مبحرة في عمق أحد المحيطات لأحد ركابها أن يُحدِثَ خرقاً فيها فإن الكارثة ستعُم الجميع، وأن مصير كل هؤلاء الركاب سيكون أن تتحول أجسادهم طعاماً لوحوش البحار المتضورة جوعاً.

إنه غير جائز أن تُترك هذه المجموعة المغامرة تفعل بسورية وشعبها ما تشاء، وأن تُعرَّض أمن الدول المجاورة والأمن العربي كله لأخطار مدمرة، ولذلك فإنه كان يجب أن يقول العاهل الأردني ما قاله، ويجب أن تفعل الجامعة العربية ما فعلته، ثم إنه يجب عدم التردد في التوجه إلى مجلس الأمن الدولي للاستعانة به إذا كان لابد من الاستعانة بهذه الهيئة الدولية، على غرار ما حصل بالنسبة لأزمة البلقان المعروفة، ولأزمات كثيرة في العالم، من بينها أزمة الكونغو وأزمة رواندا وهاييتي وساحل العاج.

إن هناك من بين جهابذة نظام الرئيس بشار الأسد من يسعى إلى إخافة العرب وإخافة الشعب السوري من الاستعانة بمجلس الأمن الدولي، بالتذكير بالدور الذي لعبه حلف شمالي الأطلسي «الناتو» لحسم الأمور في ليبيا، وكأن ما يعتبرونه «عذرية قومية» كان يقتضي أن يُترك معمر القذافي ليفعل بالشعب الليبي ما يحلو له، وأن يُزهِق أرواح عشرات الألوف، وأن يقلب بنغازي عاليها سافلها باسم العروبة والأخوة ورفض الاستنجاد بالقوى الأجنبية الشيطانية!!

وهنا فإن ما يوجع القلب فعلاً هو أن آية الله نوري المالكي لم يتردد في أن يدلي بدلوه في هذا المجال، وأن يندد بأي تدخل خارجي في شؤون سورية الداخلية، وكأنه هو «حضرته» لم يأت إلى بغداد ويصبح رئيس وزراء العراق على ظهر دبابة أميركية، وكأن إيران لا تتدخل في شؤون هذه الدولة العربية , التي يصر الذين حكموها أكثر من أربعين عاماً، على أنها، حتى في عهدهم، «قلب العروبة النابض», تدخلاً سافراً، ليس منذ أن بدأت هذه الثورة في مارس الماضي بل منذ عام 1980 وقبل ذلك بقليل. ولهذا، فإنه كان لابد من أن يقول الملك عبدالله الثاني ما قاله، وكان لابد من أن تتحلى الجامعة، ولأول مرة في تاريخها، بكل هذه الشجاعة وتفعل ما فعلته، فالوضع السوري لم يعد يَحتمل لا الانكفاء ولا التردد، وعندما يسلم بشار الأسد رقبته ويسلم مصير سورية لمجموعة من الصبيان المغامرين فإن على العرب أن يضربوا على أيدي هؤلاء بيد من حديد، وعليهم ألا يألوا جهداً لإنقاذ دولة عربية شقيقة وإنقـاذ المنطقـة كلها من كارثة محققة.