تشكيل حكومة اللون الواحد اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي جاء بعد كل هذا التعسُّر كانعكاس إقليمي للانتصارات «المجيدة»! التي حققتها قوات الرئيس بشار الأسد في بلدة جسر الشغور التي لم يبق فيها نافخ نار، والتي فر سكانها كالعصافير المذعورة في اتجاه الشمال عبر الحدود التركية القريبة المقابلة وفي كل الاتجاهات، وكل هذا مع أن المبرر الذي ساقته دمشق للقيام بهذا الاجتياح هو استجابة لنداءات أبناء هذه البلدة الجميلة المنكوبة.

Ad

بقيت دمشق تؤجل تشكيل حكومة اللون الواحد اللبنانية مع أنه كان بإمكان نجيب ميقاتي أن يشكلها, بهذه الطريقة ووفقاً لمعادلة حزب الله وتحالفه المُستجد مع وليد جنبلاط, منذ لحظة تكليفه، والسبب هو أن القيادة السورية كانت بانتظار انتصار «باهر»! كالانتصار الذي حققته في بلدة جسر الشغور لتقول للعالم إنها لا تزال تقبض على مقاليد الأمور في الداخل، وإن دورها في الساحة الإقليمية لا يزال مستمراً، وإنه لم يتأثر بما جرى منذ الخامس عشر من مارس حتى الآن.

كان الانطباع محلياً في لبنان وإقليمياً ودولياً، أن استعصاء تشكيل الحكومة اللبنانية لا سبب له إلا أن أوامر دمشق في هذا الاتجاه كانت في انتظار تحقيق نصر داخلي «مؤزر»، وهذا صحيح ولاشك فيه فالقيادة السورية التي استعادت هيمنتها على لبنان بعد خروجها وخروج قواتها منه في أعقاب مقتل رفيق الحريري في عام 2005 سارعت إلى إصدار أوامرها بتشكيل حكومة اللون الواحد، بينما كانت الدبابات السورية تجتاح بلدة جسر الشغور لتقول للأوروبيين والأميركيين وغيرهم إنها لا تزال تمسك بأوراقها القديمة، وإن دورها الإقليمي لا يزال على ما هو عليه.

وحقيقة فإن هذا مثله مثل مسرحية القذافي التي نقلها تلفزيونه يوم الأحد الماضي، حيث ظهر وهو يلعب الشطرنج مع بطل هذه اللعبة العالمي، وكان هدفه أن يوحي لنفسه وللعالم بأنه لا يزال متماسكاً، وأنه رغم كل هذه المعارك الدامية، التي تدور في معظم مناطق «الجماهيرية العظمى» المأهولة، لا يزال لديه ترف الظهور في هذه المسرحية المضحكة المبكية.

ما كان على ميقاتي أن يقبل أن يكون مجرد بيدق صغير على رقعة الشطرنج التي يمارس فوقها الرئيس بشار الأسد لعبته الإقليمية وهو يخوض حرب بقاء مع شعبه، ويقيناً فإن ذلك اليوم، الذي سيعض فيه رئيس حكومة اللون الواحد, التي سيكون عمرها قصيراً مهما طال, أصابع يده اليمنى واليسرى أيضاً، لن يكون بعيداً، وعندها فإن مزبلة التاريخ ستكون جاهزة له ولهذه الحكومة.