من الأجدى والأفضل للمسؤولين الأتراك, وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان, أن يذهبوا إلى طهران لا إلى دمشق إذا كان هدفهم من كل هذه المراوحة في المكان نفسه التوصل إلى تسوية متفاهم عليها بين نظام دمشق والمحتجين السوريين، فهذا القرار وأي قرار آخر لم يعد بيد بشار الأسد وإنما بيد علي خامنئي الذي يستمد قوته بالنسبة إلى هذا الأمر من مراكز القوى المحيطة بالرئيس السوري والمتمثلة، إضافة إلى شقيقه ماهر، في عدد من كبار المتنفذين، وفي مقدمتهم محمد ناصيف خيربك الذي بات الرئيس الفعلي غير المعلن لهذه الدولة العربية.

Ad

لقد أثبتت الأشهر الخمسة الماضية أن قرار اللجوء إلى التصعيد, فور انطلاقة شرارة الأحداث من مدينة درعا في منتصف مارس الماضي، وعدم إعطاء أي فرصة للتفاهم على تقديم بعض التنازلات المعقولة التي كانت مقبولة في ذلك الحين, لم يكن قرار بشار الأسد وبالطبع ليس قرار نائبه الشكلي فاروق الشرع ووزير خارجيته وليد المعلم، بل قرار رموز مراكز القوى التي يشكل محمد ناصيف خيربك أهم أرقام معادلتها الفعلية، وبالتفاهم والتنسيق مع علي خامنئي وكبار مساعديه العسكريين، وأهمهم على الإطلاق قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني.

ربما راودت الرئيس بشار الأسد في لحظة من اللحظات فكرة تجنب العنف والابتعاد عن الحلول الأمنية والعسكرية وفكرة الاستجابة لبعض ما يطالب به المحتجون من إصلاحات لا تشكل تلبيتها والاستجابة إليها خطراً فعلياً على نظامه، لكن المشكلة تكمن, وهذه حقيقة أثبتت مسيرة الأشهر الخمسة صحتها, في أن القرار ليس في تلك الفترة عندما انطلقت شرارة الأحداث من درعا في منتصف مارس الماضي، ولا في أي وقت من الأوقات في الفترة اللاحقة، وحتى الآن لم يكن بيده وإنما بيد مراكز القوى المحيطة به التي لا تقْدِم على أي خطوة، ولا تتخذ أيَّ موقف قبل معرفة ما الذي تريده إيران وما الذي يشير به السيد مرشد الثورة الإيرانية.

وهنا فإن المعروف أن إيران قد دخلت هذه المواجهة المحتدمة الآن منذ اللحظة الأولى, بالمال والسلاح وبالخبراء وبالمقاتلين المتمرسين من ألوية عاشوراء المشهورة بتعاملها مع الثورة الإيرانية الخضراء بالقسوة المتناهية، ومن فيلق القدس الذي أذاق العراقيين الأمرين ولايزال, انطلاقاً من أن هذه المعركة هي معركتها ومعركة تطلعاتها للهيمنة على الشرق الأوسط، وأن خسارتها ستؤدي إلى خسارة مشروعها الإمبراطوري كله، وأن هذا سينسحب تلقائياً على العراق وعلى لبنان وعلى حيث لها مراكز نفوذ في منطقة الخليج وفي بعض الدول العربية الأخرى.

إن أي تنازل للمحتجين وإن بالحدود التي كان يتحدث فيها الرئيس بشار الأسد في البدايات ستكون نتائجه كارثية, حسب وجهة نظر طهران المتطابقة مع وجهة نظر مراكز القوى السورية, وكمحصلة سيؤدي إلى إطاحة هذا النظام واستبداله بنظام آخر، مما سيخرج سورية من المعادلة الإيرانية كلها، وسيفشل المشروع الإمبراطوري الإيراني في هذه المنطقة.

ولهذا فقد كان قرار إيران والمتحالفين معها من رموز مراكز القوى السورية منذ البدايات ومنذ اللحظة الأولى بأنه لا تنازل ولا استجابة ولا لأي شرط من شروط المحتجين، ولابد من التصعيد ومواصلة التصعيد، ولا مساومة حتى وإن كان البديل الحرب الأهلية المدمرة أو التقسيم والتشظي أو مواجهة عسكرية إقليمية ودولية إن هي حدثت بالفعل، حسب تصور هؤلاء، فإنها ستؤكد حقيقة حكاية «فسطاط الممانعة»، وستُظهر سورية وإيران على أنهما دولتان مقاومتان فعلياً، وأنهما ستصبحان قبلة أنظار العرب والمسلمين الباحثين حتى عن انتصارات تلفزيونية وهمية!