المشهد الذي نقله الكثير من شاشات الفضائيات العربية والعالمية عما جرى في البرلمان الأردني، مساء أمس الأول، بعد تبرئة رئيس الوزراء معروف البخيت من قصة الترخيص لـ«كازينو» للقمار كان جرى مثله وأكثر منه في البرلمان الياباني والإسباني والكويتي أيضاً، فهذه هي ضريبة الديمقراطية، وهذا لا يعيب هذه الدول على الإطلاق بل إنه شهادة اعتراف بأنها في طليعة ركب حقوق الإنسان والحريات العامة.

Ad

كان على الذين شاهدوا ما جرى في البرلمان الأردني أمس الأول من مشاجرات وأصوات مرتفعة وهزَّ قبضات أيضاً أن يقارنوا فوراً بين هذا البرلمان وبين ما هو عند بعض دول الانقلابات العسكرية، إذ إن هتافات النواب واحدة وقراراتهم حسب إيحاء الدوائر المعتمة، وأيديهم ترتفع وتهبط حسب عصا المايسترو المزروع في أذهانهم ومخيلاتهم.

غير صحيٍّ وليس صحيحاً على الإطلاق أن يكون للبرلمان الأردني أو لأي برلمان في دولة ديمقراطية بالفعل صوت واحد ورأي واحد، وإلا لما كانت له حاجة أساساً، فالشعوب التي تُساق بالعصيّ كقطعان الأغنام هي التي لا تعرف تعددية الآراء وتعددية الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة، ولهذا فإن ما جرى مساء أمس الأول في بيت الشرعية الأردنية وما يجري دائماً وأبداً في البرلمان الكويتي هو الدليل على حيوية الشعبين الشقيقين، وهو الدليل على أن هذين البلدين دخلا فعلاً وحقيقة منظومة دول القرن الحادي والعشرين.

إن المجالس التي تسمى مجالس شعبية «لا هي برلمانات ولا هم يحزنون»، ولذا فإنه لابد من الاعتراف بأن ما جرى في البرلمان الأردني هو تأكيد أن الأردن بدأ عملية الإصلاح مبكراً، وأنه حقق إنجازات فعلية في هذا المجال يجب عدم الاكتفاء بها، ويجب مواصلة العمل الدؤوب للوصول إلى ما يحقق رغبات الأردنيين وتطلعاتهم التي هي تطلعات مشروعة ومحقة رغم أنها تُحلَّقُ في السماء.

إن هذه هي ضريبة الديمقراطية وضريبة التعددية السياسية، ويقيناً لو أن ما جرى في البرلمان الأردني، إذ علا الصراخ وارتفعت الأصوات ولوح البعض بقبضاتهم، لم يجرِ على غرار ديمقراطية أحذية جنرالات الانقلابات العسكرية، لكان على الأردنيين أن يخرجوا بمظاهرة من خمسة ملايين إنسان ليطالبوا بإعدام هذا البرلمان وتكفينه ودفنه غير مأسوف لا على شبابه ولا على شيخوخته.