مع أنه عاد قبل أيامٍ من أميركا بتطمينات بأن الأمور بالنسبة إلى صراع الشرق الأوسط ستتم وفقاً للرغبات الإسرائيلية، فقد عكست تصريحات أدلى بها نتنياهو خلال جلسة لكتلة حزبه, حزب الليكود, في الكنيست الإسرائيلي مخاوف تصل إلى حد الهلع مما سيحدث في سبتمبر (أيلول) المقبل إذ قال: «إن إسرائيل لن تتمكن من منع الجمعية العمومية للأمم المتحدة من التصويت على الاعتراف بدولة فلسطينية» لكنه استدرك بسرعة خوفاً على اهتزاز معنويات حزبه الذي قد يضطر إلى خوض معركة انتخابات مبكرة وقال: «غير أن هذا الإجراء محكوم بالفشل».

Ad

وقال نتنياهو أيضاً: «علينا أن نستعد لتسونامي في سبتمبر، إنه لا يمكن لأحد أن يمنع قراراً في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية... إنه بإمكان الأمم المتحدة أيضاً أن تتخذ قراراً بأن الأرض مسطحة... إنه من المهم أن نستعد لهذا التسونامي لأننا لن نحظى إلا بدعم بعض الدول» وحقيقة إن هذا الكلام كان قد قاله الرئيس الأميركي باراك اوباما للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) في هيئة تحذير جاء فيه: «إن الذهاب إلى الجمعية العمومية للحصول على اعتراف بدولة فلسطينية مستقلة محكوم عليه بالفشل!». وهذا يعني أن «الفيتو» الأميركي سيكون بالمرصاد من خلال مجلس الأمن الدولي لأي توجه بل لأي قرار من قبل الجمعية العمومية للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967، لكن هذا يجب ألا يمنع العرب والفلسطينيين من اغتنام هذه الفرصة التاريخية، وأن عليهم ألا يترددوا بحجة ضرورة عدم إحراج «الصديق الأميركي» فاليُحْرج هذا الصديق الذي هو عدوٌ ليس من صداقته بدُّ ولتعرف أميركا أنها عندما تَسْتَخذي لبنيامين نتنياهو كل هذا الاستخذاء فإنها يجب أن تدرك أن «أصدقاءها» العرب مضطرون إلى اللجوء إلى كل الوسائل والأساليب لإحراجها وعزلها وإظهار أن صديقها الوحيد في العالم بأسره هو اليمين الإسرائيلي وبعض الدول الهامشية والساقطة.

يجب أن يذهب (أبومازن) إلى الجمعية العمومية بطلب الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ويجب أن يَرْكُل الرئيس الفلسطيني تحذيرات أوباما ونصائحه بقدمه ولتلجأ الولايات المتحدة إلى استخدام الـ»فيتو» في مجلس الأمن الدولي ضد إرادة العالم كله وعلى العرب ألا يترددوا لحظة واحدة في الذهاب في هذا الشوط حتى آخر... لقد مللنا ألاعيب أميركا ونفاقها ولقد يئسْنا من إمكانية أن تنحاز هذه الدولة التي أعطيناها كل شيء وحاربنا كل حروبها عندما كان هناك اتحاد سوفياتي وكتلة اشتراكية وعندما أصبح هناك إرهاب هي التي صنعته في أفغانستان باسم الجهاد ضد الاحتلال الشيوعي لدولة إسلامية.

عندما تتجاهل الولايات المتحدة مصالحها في هذه المنطقة الاستراتيجية وعندما يستقبل الكونغرس الأميركي بنيامين نتنياهو الملطخة يديه بدماء الأطفال الفلسطينيين والرافض للسلام والمتمسك بشروط تعجيزية قابلها هذا الكونغرس بصيحات التأييد والمباركة فإنه لم يعد أمام العرب إلا أن يبادروا إلى تغيير قواعد اللعبة، فهناك قوى صاعدة في هذا العالم منافسة لأميركا في مقدمتها الاتحاد الأوروبي... فعلى القيادة الفلسطينية والدول العربية الذهاب إلى الأمم المتحدة وليحصل ما يحصل وليستخدم الأميركيون «الفيتو» وأكثر منه في مجلس الأمن الدولي كما يريدون وكما يحلو لهم! إلى متى نبقى نراهن على أن تغير الولايات المتحدة مواقفها وتتخلى عن انحيازها الظالم لظلم اليمين الإسرائيلي؟ لقد مضت كل هذه العقود ونحن نستبشر خيراً كلما جاء رئيس أميركي جديد إلى البيت الأبيض، لكننا في كل مرة نصاب بخيبة أمل جديدة وآخر هذه المراهنات العبثية هي أننا صدَّقنا ما قاله أوباما في خطبة جامعة القاهرة الشهيرة، لكن ما لبثنا أن اكتشفنا «أن الخل هو أخو الخردل» وأنه لا فرق بين القديم والجديد وأن باراك حسين أوباما مجرد نسخة مكررة عن جورج بوش الابن وأنهم كلهم بالنسبة إلى الانحياز إلى إسرائيل واحد ولا فرق بين أسود وأبيض!